للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

معالم الحج وشعائره، كما ينبىء عنه قوله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} وهو الأوفق (١) لما بعده والشعائر جمع شعيرة، وهي العلامة من الإشعار، وهو الإعلام والشعور العلم. وسميت البدنة شعيرة، من حيث إنها تشعر بأن تطعن في سنامها من الجانب الأيمن والأيسر، حتى يسيل الدم فيعلم أنها هدي فلا يتعرض لها، فهي من جملة معالم الحج، بل من أظهرها وأشهرها علامةً، وتعظيمها: اعتقاد أن التقرب بها من أجل القربات، وأن يختارها حساناً سماناً غالية الأثمان. {فَإِنَّهَا}؛ أي: فإن تعظيمها ناشىء {مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} وتخصيصها بالإضافة لأنها مركز التقوى، التي إذا ثبتت فيها وتمكنت، ظهر أثرها في سائر الأعضاء.

والمعنى: أي (٢) ومن يعظم البدن التي يهديها للحرم، بأن يختارها عظيمة الأجسام سمينة غير هزيلة، غالية الثمن، ويترك المكاس حين شرائها .. فقد اتقى الله حقًا، فإن تعظيمها باب من أبواب التقوى، بل هو من أعظم أبوابها. وقرىء {القلوبُ} بالرفع على الفاعلية، بالمصدر الذي هو تقوى. روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أهدى مئة بدنة، فيها جمل لأبي جهل في أذنه برة (حِلَقٌ) من ذهب. وأنَّ عمر أهدى نجيبة (ناقة) طلبت منه بثلاث مئة دينار وقد سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبيعها، ويشتري بثمنها بهماً، فنهاه عن ذلك، وقال: بل أهداها. وكان ابن عمر يسوق البدن مجللة بالقباطي - ثياب مصرية غالية الثمن - فيتصدق بلحومها وبجلالها.

٣٣ - {لَكُمْ} أيها السائقون للهدايا إلى الحرم {فِيهَا}؛ أي: في تلك الهدايا المشعرة ليعرف أنها هدى {مَنَافِعُ} في درها ونسلها وصوفها وظهرها، فإن للمهدي أن ينتفع بهديه إلى وقت النحر، إذا احتاج إليه. {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} ووقت معين معلوم هو وقت نحرها والتصدق بلحمها، والأكل منه. {ثُمَّ} بعد تلك المنافع المذكورة {مَحِلُّهَا}؛ أي: مكان حل نحرها {إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ}؛ أي: عند البيت، فإلى بمعنى عند، كما في "الفتوحات"؛ أي: عند الحرم


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.