للآخرة {وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا}؛ أي: ولتفاضلهم في الآخرة، وتفاوتهم فيها أكبر من تفاوتهم في الدنيا، فإن منهم من يكون في الدركات السفلى في جهنم مصفّدا بالسلاسل والأغلال، ومنهم من يكون في الدرجات العليا في نعيم وحبور، وكل فريق يتفاوتون فيما بينهم، وقرىء {أكثر} بالثاء المثلثة ففي «الصحيحين»: «إن أهل الدرجات العلى ليرون أهل علّيّين كما ترون الكوكب الغابر في السماء» وفيهما: «إنّ الله تعالى أمدّ لعباده الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر».
وروى ابن عبد البر عن الحسن قال: حضر جماعة من الناس باب عمر رضي الله عنه، وفيهم سهيل بن عمرو القرشي - وكان أحد الأشراف في الجاهلية -، وأبو سفيان بن حرب، ومشايخ من قريش، فأذن لصهيب، وبلال، وأهل بدر - وكان يحبّهم - فقال أبو سفيان: ما رأيت كاليوم قط، إنه ليؤذن لهؤلاء العبيد ونحن جلوس لا يلتفت إلينا فقال سهيل: - وكان أعقلهم - أيّها القوم: إنّي والله قد أرى الذي في وجوهكم، فإن كنتم غضابا فاغضبوا على أنفسكم، إنهم دعوا ودعينا - يعني إلى الإسلام - فأسرعوا وأبطأنا، وهذا باب عمر فكيف التفاوت في الآخرة، ولئن حسدتموهم على باب عمر لما أعد الله لهم في الجنة أكبر.
وعن بعضهم أنه قال: أيّها المباهي بالرفع منك في مجالس الدنيا، أما ترغب في المباهاة بالرفع في مجالس الآخرة، وهي أكبر وأفضل.
٢٢ - ثم لمّا أجمل سبحانه أعمال البر في قوله:{وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ} أخذ في تفصيل ذلك مبتدئًا بأشرفها الذي هو التوحيد. فقال:{لا تَجْعَلْ} أيها الإنسان {مَعَ اللَّهِ} سبحانه وتعالى {إِلهًا آخَرَ}{فَتَقْعُدَ}، أي: فتصير {مَذْمُومًا}، أي: مستحقّا للذم عند الملائكة والمؤمنين {مَخْذُولًا} أي مستحقًا للخذلان والذل والهوان عند الله سبحانه وتعالى، والخطاب (١) فيه للنبي - صلى الله عليه وسلم - والمراد به أمّته، فإنّ