للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إذ لا مطلب لهم أعلى منه حتى تمتد أعناقهم إليه وتتطلع نفوسهم لبلوغه، كما قال تعالى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٧)}.

والإشارة بـ {ذَلِكَ} في قوله: {ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} إلى نيل ما نالوه من دخول الجنة والخلود فيها أبدًا ورضوان الله عنهم والفوز والظفر بالمطلوب على أتم الأحوال. وقيل (١): الإشارة إلى رضوان الله؛ أي: ذلك الرضوان هو الفوز العظيم، فالجنة بما فيها بالنسبة إلى رضوان الله كالعدم بالنسبة إلى الوجود، وكيف لا، والجنة مرغوب الشهوة، والرضوان صفة الحق، وأيُّ مناسبة بينهما؟ والمعنى: ذلك الفوز العظيم؛ أي: ذلك (٢) الذي ذكر من النعيمين الجسماني والروحاني اللذين يحصلون عليهما بعد النجاة من أهوال يوم القيامة هو الفوز البالغ النهاية؛ لأن الفوز هو الظفر بالمطلوب مع النجاة من ضده أو مما يحول دونه، كما قال تعالى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ}.

١٢٠ - وبعد أن بيَّن ما لأهل الصدق عنده من الجزاء الحق في مقعد الصدق .. بيَّن عقبه سعة ملكه وعموم قدرته الدالين على كون ذلك الجزاء لا يقدر عليه غيره تعالى فقال: {لِلَّهِ} سبحانه وتعالى لا لغيره {مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}؛ أي: سلطنة السموات السبع والأرضين السبعة {وَمَا فِيهِنَّ}؛ أي: وسلطنة ما في السموات والأرض فاحمدوا الذي خلق السموات والأرض {وَهُوَ} سبحانه وتعالى {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ} شاءه {قَدِيرٌ}؛ أي: قادر؛ أي: أن كل ما سوى الله تعالى من الكائنات والأجساد والأرواح ممكن لذاته، موجود بإيجاده تعالى، وإذا كان الله موجودًا .. كان مالكًا له، وإذا كان مالكًا له .. كان له تعالى أن يتصرف في الكل بالأمر والنهي والثواب والعقاب كيف أراد، فصح التكليف على أي وجه أراده تعالى، وكان الله مالك الملك، فله بحكم المالكية أن ينسخ شرع موسى ويضع موضعه شرع محمد - صلى الله عليه وسلم -، فبطل قول اليهود بعدم نسخ شرع موسى، ثم إن مريم وعيسى داخلان فيما سوى الله، فهما كائنان بتكوين الله تعالى، فثبت كونهما


(١) المراح.
(٢) المراغي.