يجازي محسنهم بالجنة وهو مقام فضل؟ ومما يؤيّد هذا أيضًا: ما في القرآن في غير موضع، أنّ جزاء المؤمنين الجنّة، وجزاء من عمل صالحًا الجنة، وجزاء من قال: لا إله إلا الله الجنّة، وغير ذلك مما هو كثير في الكتاب والسنة.
وقد اختلف أهل العلم: هل أرسل الله سبحانه إلى الجنّ رسلًا منهم أم لا؟.
وظاهر الآيات القرآنية أنَّ الرسل من الإنس فقط، كما في قوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ في الْأَسْوَاقِ} وقال سبحانه في إبراهيم الخليل: {وَجَعَلْنَا في ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ}. فكل نبيّ بعثه الله بعد إبراهيم فهو من ذريّته، وأمّا قوله تعالى في سورة الأنعام:{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} فقيل: المراد من مجموع الجنسين، وصدق على أحدهما وهم الإنس، كقوله: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (٢٢)}؛ أي: من أحدهما.
٣٢ - ثم حذروا قومهم، وتوعَّدوهم، وأوجبوا إجابتهم داعي الله بطريق الترهيب إثر إيجابها بطريق "الترغيب" فقالوا: {وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللهِ}؛ أي: ومن لم يجب رسول الله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - إلى ما دعا إليه من التوحيد، والعمل بطاعته، فـ {مِنَ}: شرطيَّة. و {لا}: نافية، {فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ} ربَّه بهرب {في الْأَرْضِ} فلا يفوت ربّه، ولا يسبقه هربًا إذا أراد عقوبته على تكذيبه داعيه، وإن هرب كل مهرب من أقطارها، أو دخل في أعماقها {وَلَيْسَ لَهُ}؛ أي: لذلك المنكر {مِنْ دُونِهِ} سبحانه وتعالى {أَوْلِيَاءُ}؛ أي: أنصار ينصرونه، ويدفعون عنه عذابه، وهذا (١) بيان لاستحالة نجاته بواسطة الغير إثر بيان استحالة نجاته بنفسه، وجمع الأولياء باعتبار معنى {من} فيكون من باب مقابلة الجمع بالجمع، لانقسام الآحاد إلى الآحاد.
ثمّ بيَّن أنّ من فعل ذلك .. فقد بلغ الغاية في الضلال، والبعد عن الصراط