للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

البلاء بالسر والقلب، والصبر بالنفس لا غير. انتهى.

أي: واصبر على الصلاة، ولا تشتغل عنها بشيء من أمور الدنيا {لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا}؛ أي: لا نسألك أن ترزق نفسك ولا أهلك، وتشتغل بذلك عن الصلاة {نَحْنُ نَرْزُقُك} ونرزقهم ولا نكلفك ذلك، ففرغ بالك لأمر الآخرة، فإن من كان في عمل الله .. كان الله في عمله {وَالْعَاقِبَةُ} المحمودة وهي الجنة. {لِلتَّقْوَى}؛ أي: لأهل التقوى، على حذف المضاف، كما قاله الأخفش، وفيه دليل على أن التقوى هي ملاك الأمر، وعليها تدور دوائر الخير، وقرأ الجمهور: {نَرْزُقُكَ} بضم القاف، وقرأت فرقة - منهم ابن وثاب -: بإدغام القاف في الكاف، وجاء ذلك عن يعقوب.

والخلاصة (١): داوم على الصلاة لا نكلفك مالًا، بل نكلفك عملًا نؤتيك عليه أجرًا عظيمًا، وثوابًا جزيلًا، ونحن نعطيك المال، ونكسبك ولا نسألك، والعاقبة الصالحة لأهل الخشية والتقوى، لا لمن لا يخاف عقابًا، ولا يرجو ثوابًا كما قال: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} وقال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)}.

١٣٣ - وأخرج مالك والبيهقي، عن أسلم قال: كان عمر بن الخطاب يصلي من الليل ما شاء الله تعالى أن يصلي، حتى إذا كان آخر الليل .. أيقظ أهله للصلاة، ويقول لهم الصلاة الصلاة، ويتلو هذه الآية: {وَقَالُوا}؛ أي: قال كفار قريش: {لَوْلَا يَأْتِينَا}؛ أي: هلا يأتينا محمد - عليه الصلاة والسلام - فـ {لولا} تحضيضية بمعنى هلا؛ أي: هلا يأتينا {بِآيَةٍ} ومعجزة مما اقترحنا نحن ومن نعتد به، أو بآيةٍ كائنةٍ {مِنْ} آيات {رَبِّهِ} كما يأتي بها من كان قبله من الأنبياء، كموسى، وعيسى، لتكون علامةً على صدقه، وذلك كالناقة والعصى، بلغوا من العناد إلى حيث لم يعدوا ما شاهدوا من المعجزات من قبيل الآيات، حتى اجترؤوا على التفوه بهذه الكلمة العظيمة، فأجاب الله - سبحانه وتعالى - عليهم


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.