للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وحاصل معنى الآية: {ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ}؛ أي (١): إن منتهى علمهم أن يتفهموا شؤون الحياة الدنيا، ويتمتعوا باللذات، ويتصرفوا في التجارات ليحصلوا على ما يكون لهم فيها من بسطة في المال، وسعة في الرزق، ويكونوا ممن يشار إليهم بالبنان، وما به يذكرون لدى الناس، ولا يعنون بما وراء ذلك. فشؤون الآخرة دبر أذنهم، ووراء ظهورهم لا يعرفون منها قبيلًا من دبر.

روى أحمد عن أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال سول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يجمع من لا عقل له". وفي الدعاء المأثور: "اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا". ثم ذكر السبب في الأمر بالإعراض عنهم فقال: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ ...} إلخ؛ أي: إن ربك يا محمد هو العليم بمن واصل ليله بنهاره، وصباحه بمسائه مفكرًا في آياته في الكون، وفيما جاء على ألسنة رسله، حتى اهتدى إلى الحقال في ينجيه في آخرته، ويبلغه رضوان ربه، ويبلغه سعادة الدنيا بالسير على السنن الذي وضعها في خليقته، فاحتذى حذوها، وسار على أثرها. وبمن حاد عن طريق النجاة، وجعل إلهه هواه، وركب رأسه فلم يلو على شيء معا جاء به الداعي الناصح الأمين. وإنه لمجاز كلًّا بما كسب، واكتسب. وسيجزيه على الجليل، والحقير، والصغير, والكبير، بحسب ما أحاط به واسع علمه، وبمقدار فضله على من أخبت إليه. كما قال: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}. ونكاله بمن دسى نفسه، واجترح السيئات مصداقًا لقوله: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (٥٠)}.

والخلاصة: أن هؤلاء قوم لا تجدي فيهم الذكرى، ولا تؤثر فيهم العظة فلا تبتئس بما كانوا يفعلون.

٣١ - ثم أخبر سبحانه عن سعة قدرته، وعظيم ملكه، فقال: {وَلِلَّهِ} سبحانه ملكًا، وخلقًا، وعبيدًا، لا لغيره أصلًا لا استقلالًا، ولا اشتراكًا {مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}؛ أي: جميع ما في السموات من العالم العلوي، وجيمع ما في الأرض من العالم السفلي. فهو المالك لذلك، والمتصرِّف فيه، لا يشاركه فيه أحد. واللام (٢) في قوله: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا} وأشركوا، متعلقة بعا دل عليه الكلام. كأنه قيل: هو


(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.