كما قال إبراهيم:{إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} وكل ما يتعلق بعبادة الله لا يعلم إلا بوحي منه ينزله على رسله إذ لا يعلم إلا من عباده المبلغين عنه.
{فَانْتَظِرُوا} ما يحصل لكم من عبادة هذه الأصنام، وهو نزول العذاب الذي طلبتموه بقولكم:{فَأْتِنا بِما تَعِدُنا}{إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ} لنزوله بكم، وفصل قضائه فينا وفيكم، وإنني لموقن بذلك وأنتم مرتابون.
٧٢ - {فـ} لما جاء أمرنا، ووقع ما وقع {أنجيناه والذين معه}؛ أي: أنجينا هودا والذين آمنوا معه {بِرَحْمَةٍ} عظيمة كائنة {مِنَّا} لهم {وَقَطَعْنا}؛ أي: استأصلنا {دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا}؛ أي: آخرهم مع أولهم {وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ}؛ أي: ما أبقينا أحدا من الذين لا يؤمنون، فلو علم الله أنهم سيؤمنون لأبقاهم.
والمعنى: فلما جاء أمرنا، ووقع ما وقع أنجينا هودا والذين آمنوا به وبما دعا إليه من توحيد الله، وهجر الأوثان، وكانوا شرذمة قليلة يكتمون إيمانهم برحمة عظيمة من جهتنا بأن جعلوا في حظيرة ما يصل إليهم من الريح إلا ما يلين عليهم جلودهم وتلتذ به أنفسهم. وبعد ذلك (١) أتوا مكة مع هود، فعبدوا الله فيها حتى ماتوا، واستأصلنا دابر الدين جحدوا بآياتنا، ولم نبق منهم أحدا بريح صرصر {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ} وكانت باردة ذات صوت شديد، ولا مطر فيها، وكان وقت مجيئها في عجز الشتاء، وابتدأتهم صبيحة الأربعاء لثمان بقين من شوال، وسخرت عليهم سبع ليال وثمانية أيام، فأهلكت رجالهم ونساءهم وأولادهم وأموالهم بأن رفعت ذلك في الجو فمزقته. وفي «الخازن»: قال السدي: بعث الله عز وجل الريح العقيم، فلما دنت منهم نظروا إلى الإبل والرجال تطير بهم الريح بين السماء والأرض، فلما رأوها تبادروا إلى البيوت فدخلوها، وأغلقوا الأبواب، فجاءت الريح، فقلعت أبوابهم، ودخلت عليهم فأهلكتهم فيها، ثم أخرجتهم من البيوت، فلما أهلكتهم أرسل الله عليهم