العباداتِ العمليةِ والمعاملات على النحو الذي بينه الكتاب، والسنة على السنن القويم، دونَ تأويل، ولا تخريجٍ لهما على غير ما يفْهَم مِن ظاهرهما. أَما الاختلاف فيما عدا ذلك من أمور القضاء والسياسة، وأمور المعاش من زراعات وتجارات، فهو أمر طبيعي لا يمكن الغنَى عنه، فلولاه لما تقدمت شؤون الحياة، ولَمَا حصل التنافس لدى أرباب المهن، والصناعاتِ، ولما جد كل يوم بدع جديد، ولكان الناس دائمًا على الفطرة الأولى، وأنَّى لعقل الإنسان أن يستمرَّ على حال واحدة، وقد أُوتيَ الخلافَةَ في الأرض، وحسْنَ استعمارها، وبهذا وحدَه فَضَلَ الملائكة، ولله في خلقه شؤون. وقد بيَّن سبحانه لنا المخرجَ إذا حَدث بيننا الخلاف في الدين فقال:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} الآيةَ. وقد فسر ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله لمعاذ بن جبل حين ولاه القضاء في اليمن:"بمَ تقضي؟ " قال: بكتاب الله، قال:"فإن لم تجد؟ "، قال: فبسنة رسوله، قال:"فإن لم تجد؟ "، قال: أجتهد رأيي، فأقره على ذلك. وهذا هو الاستقامة في الدين التي بها يرقى المرء إلى أعلى عليين. وقد حث الله رسوله عليها في هذه الآية وحَث موسَى وهارونَ عليها، فقال:{قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا}. ومَدَح من اتَّصَفوا بها، ووعدهم بالخير والفلاح في الآخرة فقال: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٣٠)}. وروى مسلم عن سفيان الثقفي قال: قلتُ: يا رسول الله قل لي في الإِسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا بعدك، قال:"قل: آمنت بالله ثم استقم".