شرائطها، ومنها: أن تكون عقب الذنب مباشرة، وقد سمى الله ترك طاعة الرسول ظلمًا للأنفس؛ أي: إفسادًا لها لأن الرسول هو الهادي إلى مصالح الناس في الدنيا والآخرة، وهذا الظلم شامل للاعتداء والبغي والتحاكم إلى الطاغوت وغير ذلك.
والاستغفار لا يكون مقبولًا إلا إذا ناجي العبد ربه عازمًا على اجتناب الذنب، وعدم العودة إليه، مع الصدق والإخلاص لله في ذلك. أما الاستغفار باللسان عقب الذنب دون أن يوجد هذا التوجه بالقلب فلا يكون استغفارًا معتدًا به عند الله إذ لا بد أن يشعر القلب أولًا بألم المعصية، وسوء مغبتها - عاقبتها - وبالحاجة إلى التزكي من دنسها، مع العزم القوي على اجتناب هذا الدنس، ومتى أخلص الداعي .. أجاب الله دعاءه بإعطائه ما طلب، أو بغيره من الأجر والثواب.
٦٥ - و {لَا} في قوله: {فَلَا وَرَبِّكَ} زائدة زيدت لتأكيد معنى القسم، كما زيدت في:{لئلا يعلم}؛ لتأكيد وجوب العلم، أو مفيدة لنفي أمر سبق، والتقدير: ليس الأمر كما يزعمون من أنهم آمنوا وهم يخالفون حكمك، فوربك؛ أي: فأقسمت لك بربك يا محمد، لا يؤمن هؤلاء المنافقون إيمانًا صحيحًا {حَتَّى يُحَكِّمُوكَ}؛ أي: حتى يجعلوك حاكمًا بينهم {فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}؛ أي: فيما اختلط والتبس وأشكل، ووقع بينهم من المخاصمات والمنازعات، فتقضي بينهم فيها {ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ}؛ أي: لا يحسوا في قلوبهم {حَرَجًا}؛ أي: ضيقًا وشكًا {مِمَّا قَضَيْتَ} وحكمت به، {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}؛ أي: وينقادوا لك بظواهرهم انقيادًا تامًّا، بحيث لا يخالفونك في شيء ما. وقرأ أبو السمال:{فيما شجر} بسكون الجيم تخفيفًا فرارًا من ثقل توالي الحركات، والمعنى: أنهم لا يؤمنون إيمانًا صحيحًا مستوجبًا للفوز بالثواب والنجاة من العذاب، وهو إيمانُ الانقيادِ ظاهرًا وباطنًا، إلا إذا كملت لهم ثلاث خصال:
الأولى: أن يحكموا الرسول في القضايا التي يشتجرون يختصمون فيها، ولا يتبين لهم وجه الحق فيها.