للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - من الله تعالى مغفرة ذنوبهم المذكورة، أو المعنى: سامح لهم الرسول ما فرطوا في حقه، فالسين والتاء فيه زائدتان؛ أي: سامحهم وعفا عنهم، وطلب لهم المغفرة؛ لأنه تعلق بهم حقان: حق لله، وحق لرسوله - صلى الله عليه وسلم -، {لَوَجَدُوا اللَّهَ}؛ أي: لصادفوا الله سبحانه وتعالى حالة كونه {تَوَّابًا}؛ أي: قابلًا لتوبتهم {رَحِيمًا}؛ أَي: متفضلًا عليهم بالرحمة والغفران، يعني لو أنهم تابوا من ذنوبهم ونفاقهم، واستغفرت لهم .. لعلموا أن الله يتوب عليهم، ويتجاوز عنهم ويرحمهم.

والمعنى: ولو أن أولئك القوم حين ظلموا أنفسهم، ورغبوا عن حكمك إلى حكم الظاغوت .. جاؤوك فاسغفروا الله من ذنبهم، وندموا على ما فرط منهم، وتابوا توبة نصوحًا، ودعا لهم الرسول بالمغفرة لتقبل الله توبتهم، وغمرهم بإحسانه، فرحمته وسعت كل شيء.

وإنما قرن (١) استغفار الرسول باستغفارهم؛ لأن ذنبهم لم يكن ظلمًا لأنفسهم فحسب، بل تعدى إلى إيذاء الرسول من حيث أنهم أعرضوا عن حكمه، وهو صاحب الحق في الحكم وحده، فكان لا بد في توبتهم وندمهم على ما فرط منهم أن يظهروا ذلك للرسول ليصفح عنهم؛ لأنهم اعتدوا على حقه، وليدعو لهم بالمغفرة إذ أعرضوا عن حكمه، وإنما التفت (٢) عن الخطاب إلى الغيبة في قوله: {وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ} ولم يقل: واستغفر لهم؛ لأن القياس يقتضي هذا، لقوله أولًا جاؤوك تفخيمًا لشأنه، وتنبيهًا على أن من حق الرسول أن يقبل اعتذار التائب، وإن عظم جرمه، ويشفع له، ومن منصبه أن يشفع في كبائر الذنوب، وأنهم إذا جاؤوه .. فقد جاؤوا من خصه الله تعالى برسالته، وأكرمه بوحيه، وجعله سفيرًا بينه وبين خلقه.

وفي الآية (٣): إيماء إلى أن التوبة الصحيحة تقبل حتمًا إذا استكملت


(١) المراغي.
(٢) البيضاوي.
(٣) المراغي.