فأصبح الغد، وقد أنزل الله هذه الآيات:{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ} إلى قوله: {فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}.
وأخرج (١) ابن سعد في "الطبقات" عن الأزرق بن قيس قال: قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - أسقفُّ نجران والعاقب، فعرض عليهما الإسلام، فقالا: إنا كنا مسلمين قبلك، قال: كذبتما، إنه منع منكما الإِسلام ثلاث: قولكما اتخذ الله ولدًا، وأكلكما لحم الخنزير، وسجودكما للصنم، قالا: فمن أبو عيسى؟ فما درى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يرد عليهم حتى أنزل الله:{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ} إلى قوله: {وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} فدعاهما إلى الملاعنة فأبيا، وأقرا بالجزية، ورجعا.
التفسير وأوجه القراءة
٥٢ - {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ}؛ أي: فلما علم عيسى من قومه بني إسرائيل التصميم على الكفر، والاستمرار على الضلال والعناد، وقصد الإيذاء، فقد صح أنه لقي من اليهود شدائد كثيرة، فقد كانوا يجتمعون عليه، ويستهزئون به ويقولون له: يا عيسى ما أكل فلان البارحة، وما ادخر في بيته لغد، فيخبرهم فيسخرون منه، حتى طال ذلك به وبهم، وطلبوا قتله؛ لأنهم كانوا عارفين بأنه هو المسيح المبشر به في التوراة، وأنه ينسخ دينهم، فخافهم واختفى عنهم، وخرج هو وأمه يسيحان في الأرض.
وفي هذا عبرةٌ وتسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وبيان بأن الآيات الكونية مهما كثرت لا تفضي إلى الإيمان إلا إذا كان للمدعو استعداد للقبول، ومن الداعي حسن بيان.
فلما رأى منهم ذلك {قَالَ} وعيسى للحواريين: - كما تدل عليه آية الصف {كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} - {مَنْ أَنْصَارِي} حالة كوني ملتجئًا {إِلَى اللَّهِ} ومتوجهًا إليه، أو ذاهبًا إليه أو في الدعوة إلى الله {قَالَ