وقوله:{وَإِذَا مَرِضْتُ} معطوف على {يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ}، وإنما نظمهما في سلك صلة واحدة، لما أن الصحة والمرض من متفرعات الأكل والشرب غالبًا، فإن البطنة تورث الأسقام والأوجاع، والخمصة أصل الراحة والسلامة، قالت الحكماء: لو قيل لأكثر الموتى: ما سبب آجالكم؟ لقالوا: التخم، وفي الحكمة: ليس للبطنة خير من خمصة تتبعها.
٤ - ٨١ {وَالَّذِي يُمِيتُنِي} في الدنيا بقبض روحي عند انقضاء الأجل {ثُمَّ يُحْيِينِ} ي بالبعث في الآخرة لمجازاة العمل. أدخل {ثُمَّ} هنا؛ لأن بين الإماتة الواقعة في الدنيا وبين الإحياء الحاصل في الآخرة تراخيًا، ونسبة الإماتة إلى الله تعالى؛ لأنها من النعم الإلهية في الحقيقة حيث إن الموت وصلة لأهل الكمال إلى الحياة الأبدية، والخلاص من أنواع المحن والبلية.
٥ - ٨٢ {وَالَّذِي أَطْمَعُ} وأرجو {أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي} بترك الأولى، أو هي كذباته الثلاث، وقد تقدم الكلام عليها {يَوْمَ الدِّينِ}؛ أي: يوم الجزاء والحساب، روى مسلم عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قلت: يا رسول الله، ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم المسكين، أكان ذلك نافعًا له؟ قال: لا ينفع؛ إنه لم يقل يومًا: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين". وابن جدعان اسمه عبد الله، وهو ابن عم عائشة - رضي الله عنها - وكان في ابتداء أمره فقيرًا، ثم ظفر بكنز استغنى به، فكان ينفق من ذلك الكنز، ويفعل المعروف.
وهذا كله احتجاج من إبراهيم على قومه أنه لا يصلح للإلهية إلا من يفعل هذه الأفعال.
وخلاصة مقاله: أن جميع النعم التي يتمتع بها المرء من النشأة الأولى إلى آخر الدهر هي من الله وحده، ولا قدرة لأصنامكم على شيء منها. قرأ الجمهور:{خَطِيئَتِي} بالإفراد، والحسن {خطاياي} بالجمع.
واستغفار الأنبياء عليهم السلام تواضع منهم لربهم، وتعليم لأممهم؛ ليكونوا على حذر وطلب, لأن يغفر الله سبحانه لهم ما فرط منهم.