بين الخلقين، واحتج به أبو حنيفة رحمه الله، على أن من غصب بيضة، فأفرخت عنده، لزمه ضمان البيضة لا الفرخ، فإنه خلق آخر.
قال في "الأسئلة المقحمة"(١): خلق الله الآدمي أطوارًا، ولو خلقه دفعة واحدة كان أظهر في كمال القدرة، وأبعد عن نسبة الأسباب، فما معناه؟ فالجواب: لا، بل الخلق بعد الخلق، بتقليب الأعيان، واختراع الأشخاص، أظهر في القدرة، فإنه تعالى خلق الآدمي من نطفة متماثلة الأجزاء، ومن أشياء كثيرة، مختلفة المراتب، متفاوتة الدرجات، من لحم وعظم ودم وجلد وشعر وغيرها، ثم خصّ كل جزء منها، بتركيب عجيب، واختصاص غريب من السمع والبصر واللمس والمشي والذوق والشم وغيرها، وهي أبلغ في إظهار كمال الإلهية، والقدرة {فَتَبَارَكَ اللَّهُ}؛ أي: تزايد بره وخيره، وإحسانه لعباده مرة بعد مرة، وكرة بعد كرة، إن قلنا إنه مأخوذ من البركة، أو تعالى شأنه من علمه الشامل، وقدرته الباهرة {أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} بدل من الجلالة؛ أي: أحسن الخالقين خلقًا؛ أي: أحسن المقدرين تقديرًا، حذف المميز لدلالة الخالقين عليه، فالحسن للخلق.
وفي "الأسئلة المقحمة" هذا يدل على أن العبد خالق أفعاله، ويكون الرب أحسن في الخالقية؟ فالجواب معناه: أحسن المصورين لأن المصور يصور الصورة، ويشكلها على صورة المخلوق، أخبر به سبحانه؛ لأنه لا يبلغ في تصويره إلى حدّ الخالق؛ لأنه لن يقدر على أن ينفخ فيها الروح، وقد ورد الخلق في القرآن، بمعنى: التصوير. قال تعالى:{وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ}؛ أي: وإذ تصور فكذلك هاهنا انتهى.
١٥ - {ثُمَّ إِنَّكُمْ} يا بني آدم {بَعْدَ ذَلِكَ}؛ أي: بعدما ذكر من التركيب بالأمور العجيبة؛ أي: ثم أنكم بعد النشأة الأولى من العدم {لَمَيِّتُونَ}؛ أي: لصائرون إلى الموت، لا محالة، كما تؤذن به صيغة فيعل، الدالة على الثبوت، دون الحدوث الذي يفيده صيغة الفاعل.