يفعلَ مِثْلَ ذلك بقومك إن أصَرُّوا على الجحود وهو {الْعَزِيزُ}؛ أي: الغالب الذي لا يعجزه شيء، فإنه أوْصَلَ ذلك العذاب إلى الكفار، وصان أهلَ الإيمان عنه، وهذا التمييز لا يصح إلّا من القادر الذي يقدر على قهر طبائع الأشياء، فيجعل الشيءَ الواحد بالنسبة إلى إنسان بلاءً وعذابًا وبالنسبة إلى إنسان آخرَ راحةً ورَيْحانًا.
٦٧ - ثمَّ ذَكَر مآلَ أمرهم وشديدَ عقابه بهم فقال:{وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا} أنفُسَهم بالكفر والتكذيب؛ أي: أهلكتهم {الصَّيْحَةُ}؛ أي: صيحةُ جبريل مع الزلزلة في اليوم الرابع من عَقر الناقة، وذكَّر الفعلَ لأنَّ الصيحة، والصياح، واحد مع كون التأنيث غير حقيقي، وللفصل بينهما بالمفعول، والصيحة فعلةٌ تدل على المرة من الصياح، وهو الصوت الشديد، يقال: صاح يَصِيح صياحًا؛ أي صوت بقوة قيل: هي صيحة جبريل، فقد صاح عليهم، وقيل: صيحة من السماء، فيها صوتُ كل صاعقة، وصوت كل شيء في الأرض، فتقطَّعَتْ قلوبهم في صدورهم، فماتوا جميعًا، وتقدَّم في الأعراف، فأخذَتْهم الرجفةُ قيل: ولعلَّها وقعت عَقِبَ الصيحة، {فَأَصْبَحُوا}؛ أي: صاروا {فِي دِيَارِهِمْ} وبلادهم، وفي مساكنهم:{جَاثِمِينَ}؛ أي: ساقطينَ على وجوههم ميتين، لا يتحركون، ولا يضطربون عند نزول العذاب، قد لَصِقُوا بالتراب كالطير، إذا جثمت حَالةَ كَوْنِهِم
٦٨ - {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا}؛ أي: كأنهم لم يقيموا في بلادهم، فإنهم صاروا رمادًا، أي: أصْبَحُوا جاثمين، حالَ كونهم مماثلينَ لمن لم يوجد، ولم يقم في مكان قط، ولا يَخْفَى ما فيه من الدلالة على شدة الأخذ، وسرعته. اللهم إنَّا نعوذ بك من حلول غضبك.
وقوله:{أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ} فيه وضع الظاهر موضع المضمر، لزيادة البيان، وصرَّح بكفرهم مع كونه معلومًا تعليلًا للدعاء عليهم بقوله:{أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ}{أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ}؛ أي: جَحَدُوا بوحدانية الله تعالى، فهذا تَنْبِيه وتخويفٌ لِمَنْ بَعْدَهم، وقوله:{أَلَا بُعْدًا} مَصْدَرُ (١) وُضعَ موضع فِعْلِه،