للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الإيصاء من الموصي، وعلمه، وحققه {فَإِنَّمَا إِثْمُهُ}؛ أي: إثم ذلك التبديل وذنبه {عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ}؛ أي: على من بدله وغيَّره أيًّا كان لا يعود إلا على المبدل. والموصي والموصى له بريئان منه؛ يعني برئت منه ذمة الموصي، وثبت له الأجر عند ربه. {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {سميع} لأقوال المبدلين والموصين {عَلِيمٌ} بنياتهم فيجازي كلًّا على وفق عمله، فيثيب الميت، ويعاقب المبدِّل، ولا يخفى ما في هذه الجملة من الوعيد الشديد للمبدلين، والوعد الحسن للموصين.

١٨٢ - ثم استثنى من إثم التبديل حالة ما إذا كان للإصلاح، وإزالة التنازع، فقال: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ} قرأه شعبة وحمزة والكسائي {مُوَصٍّ} بفتح {الواو} وتشديد الصاد من وصَّى المضَعَّف، وقرأ الباقون: {مُوصٍ} من أوصى، وهما لغتان؛ أي: فمن علم من ميت موص {جَنَفًا}؛ أي: خطأ في الوصية من غير عمد، وميلٍ عن الحق فيها جهلًا كأن يوصي لبعض ورثته، أو يوصي بماله كله خطأ، وقرأ الجمهور {جَنَفًا} بالجيم والنون، وقرأ علي شذوذًا {حيفا} بالحاء والياء {أَوْ إِثْمًا}؛ أي: ميلًا عن الحق في الوصية عمدًا وعِلمًا {فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ} بعد موت الموصي معطوف على محذوف؛ تقديره: أي فتنازعت الورثة والموصى لهم في المال الموصى به، فتوسط بينهم من علم ذلك، وأصلح بينهم؛ أي: فعل ما فيه الصلاح بينهم بتبديل هذا الجنف أو الإثم برده الوصية إلى الثلث مثلًا. {فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ}؛ أي: فلا حرج ولا ذنب على هذا المصلح الذي أزال الجنف أو الإثم في هذا التبديل؛ لأنه تبديل باطل بحق، وإزالة مفسدة بمصلحة، فهو ليس بمبدل آثم، بل هو متوسط للإصلاح، وليس عليه إثم بخلاف الأول، وقلما يكون الإصلاح إلا بترك بعض الخصوم شيئًا مما يرونه حقًّا لهم، والظاهر (١) أن هذا المصلح هو الوصي والشاهد، ومن يتولى بعد موته ذلك من وال، أو ولي، أو من يأمر بالمعروف، فكل هؤلاء يدخل تحت قوله: {فَمَنْ خَافَ} إذا ظهرت لهم أمارات الجنف أو الإثم، ولا وجه لتخصيص الخائف بالوصي، ودلت (٢)


(١) البحر المحيط.
(٢) الفخر الرازي.