للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والاتكال على كرامة الآباء، وتأخير التوبة بتطويل الأمل، وإخبارهم أن لا جَنَّةَ ولا نارَ ونحو ذلك.

وخلاصة ذلك (١): أنه يُغويهم بأن لا ضرر من فعل هذه المعاصي، فإنه لا جنة ولا نار، ولا حياة بعد هذه الحياة، وإنها سبيل اللذَّة والسُّرور، ولا حياة للإنسان إلّا بها، فتفويتها غبنٌ وخسرانٌ وقال الشاعر:

خذوا بنصيبٍ من سرورٍ ولذّةٍ ... فكلٌّ وإن طال المدى يتصَّرم

وينفِّرهم من الطاعة بأن لا فائدة فيها، إذ لا رجعة بعد هذه الحياة، فهي عبثٌ محضٌ. فهذه بعض تلبيسات الشيطان، وهذه خدعة.

قال في «بحر العلوم» (٢): هذه الأوامر المذكورة كلّها واردة على طريق التهديد كقوله للعصاة: اعملوا ما شئتم، وقيل: على سبيل الخذلان والتخلية اهـ. {وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُورًا}؛ أي: إلا باطلًا؛ أي: وما يخبرهم من الأماني الكاذبة، إلّا خبرا باطلًا عاطلًا، لأنه لا يغني عنهم من عقاب الله شيئًا إذا نزل بهم، فمواعيده خدعة. يزينها لهم، ويلبّسها ثوب الحق كما قال إبليس إذ حصحص الحقّ يوم يقضي ربّك بالحق: {إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ}.

٦٥ - وهذه الجملة (٣) اعتراض واقع بين الجمل التي خاطب الله بها الشيطان {إِنَّ عِبادِي} الذين أطاعوني، فاتّبعوا أمري، وعصوك {لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ}؛ أي: على إغوائهم وإضلالهم {سُلْطانٌ} أي: تسلّطٌ وقدرةٌ، فلا تقدر أن تغويهم، وتحملهم على ذنب لا يغفر، فإني قد وفقتهم بالتوكّل عليّ فكفيتهم أمرك، والإضافة في قوله: عبادي للتشريف، وفيه تعريضٌ بأنّ من تبعه ليس منهم. {وَكَفى بِرَبِّكَ}؛ أي: مالك أمرك ومغويك وخاذلك يا إبليس من جهة كونه: {وَكِيلًا} أي: حافظًا لهم، فهم يتوكلون عليه، ويستمدون منه العون في الخلاص من إغوائك


(١) المراغي.
(٢) السمرقندي.
(٣) المراح.