للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إلى أجسادها حين خروجها من حلاقيمها؟ ثم كرر الحث والتحضيض مرة أخرى. فقال: {فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (٨٦) أي: فهلا ترجعون النفس التي قد بلغت الحلقوم إلى مكانها الأول، ومقرّها من الجسد إن كتم غير مصدقين أنكم تبعثون، وتحاسبون، وتجزون، ولن ترجعوها. فبطل زعمكم أنكم غير مربوبين، ولا مملوكين.

٨٨ - وبعد أن ذكر حال المحتضرين في الدنيا أردفها بذكر حالهم بعد الوفاة وقسمهم أزواجًا ثلاثة. فقال:

١ - {فَأَمَّا إِنْ كَانَ} المتوفى {مِنَ الْمُقَرَّبِينَ}؛ أي: من الذين قربهم ربهم من جواره في جناته لفعله ما أمر به، وتركه ما نهي عنه، وهم أجل الأزواج الثلاثة.

٨٩ - {فَرَوْحٌ}؛ أي: فله استراحة وطمأنينة نفس {وَرَيْحَانٌ}؛ أي: رزق واسع من عند الله تعالى. {وَجَنَّتُ نَعِيمٍ}؛ أي: بستان ذات تنعم ليس فيها غيره. وتبشره الملائكة بجنات النعيم، وقد جاء في حديث البراء بن عازب: "إن ملائكة الرحمة تقول: أيتها الروح الطيبة في الجسد الطيب كنت تعمرينيه فأخرجي إلى روح، وريحان، ورب غير غضبان". وقرأ الجمهور (١) {فَرَوْحٌ} بفتح الراء.

والمعنى: الراحة من الدنيا، والاستراحة من أحوالها. وقال الحسن: الروح: الرحمة. وقال مجاهد: الروح: الفرح، وقرأ ابن عباس، وعائشة، والحسن، وقتادة، ونصر بن عاصم، والجحدري، ونوح القارىء، والضحاك، والأشهب، وشعيب بن الحبحاب، وسليمان التيمي، والربيع بن خيثم، ومحمد بن عليّ، وأبو عمران الجوني، وغيرهم {فرُوح} بضم الراء. قيل: ومعنى هذه القراءة: الرحمة؛ لأنها كالحياة للمرحوم. والريحان: الرزق، قاله مجاهد، وسعيد بن جبير، ومقاتل. وقال الحسن: الريحان هو الريحان المعروف الذي يشم. قال قتادة، والربيع بن خيثم: هذا عند الموت , والجنة مخبوءة إلى أن يبعث.

٢ - ٩٠ {وَأَمَّا إِنْ كَانَ} المتوفى {مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} عبر عن السابقين بالمقربين لكونه أجل أوصافهم، وعبر عن أصحاب اليمين بالعنوان السابق. إذ لم يذكر لهم


(١) البحر المحيط والشوكاني.