إذ لو أنزلناه بغير لغة العرب ما فهمتموه، فلعل هنا مستعارة لمعنى كي، وهو التعليل، وسببية ما قبلها لما بعدها, لكون حقيقة الترجي والتوقع ممتنعة في حقه تعالى. لكونها مختصة بمن لا يعلم عواقب الأمور.
وحاصل معناها: الدلالة على أن الملابسة بالأول لأجل إرادة الثاني، من شبه الإرادة بالترجي، فقوله:{لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} في موضع النصب على المفعول له، وإنما سمي {قُرْآنًا}؛ لأنه جعل بعض سوره مقرونًا بآخر.
فإن قلت: إن قوله: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} يدل على أن القرآن مجعول، والمجعول مخلوق، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "القرآن كلام الله غير مخلوق".
قلت: المراد بالجعل هنا: تصيير الشيء على حالة دون حالة، وقال بعضهم: أقسم بالقرآن على أنه جعله قرآنًا عربيًا، فالقسم والمقسم عليه من بدائع الأقسام لكونهما من واحد، فالمقسم به ذات القرآن العظيم، والمقسم عليه وصفه، وهو جعله قرآنًا عربيًا، فتغايرا، فكأنه قيل: والقرآن إنه ليس بمجرد كلام مفترى على الله وأساطير، بل هو الذي تولينا إنزاله على لغة العرب، فهذا هو المراد بكونه جوابًا لا مجرد كونه عربيًا، إذ لا يشك فيه.
وإنما جعله مقسمًا به إشارة إلى أنه ليس عنده شيء أعظم قدرًا، وأرفع منزلة منه حتى يقسم به، فإن المحب لا يؤثر على محبوبه شيئًا، فأقسم به، ليكون قسمه في غاية الوكادة، وكذا لا أهم من وصفه فيقسم عليه.
والمعنى (١): أي أقسمت بالكتاب المبين، لطريق الهدى والرشاد، الموضح لما يحتاج إليه البشر في دنياهم ودينهم، ليفوزوا بالسعادة على أننا جعلناه قرآنًا عربيًا، إذ كنتم أيها المنذرون به عربًا لتعقلوا ما فيه من عبر ومواعظ، ولتتدبروا معانيه، ولم ينزله بلسان العجم حتى لا تقولوا: نحن عرب، وهذا كلام أعجمي لا نفقه شيئًا مما فيه.
٤ - ثم بين شرفه في الملأ الأعلى تعظيمًا له، وليطيعه أهل الأرض، فقال: