وإسلامهم إياهم في أشد حاجتهم إليهم وإلى نصرتهم .. كمثل الشيطان الذي غر إنسانًا ووعده النصرة عند الحاجة إليه إذا هو كفر بالله، واتبعه وأطاعه، فلما احتاج إلى نصرته .. أسلمه وتبرأ منه، وقال:{إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ}. إذا أنا نصرتك لئلا يشركني معك في العذاب.
والخلاصة: أن مثل اليهود في اغترارهم بمن وعدوهم النصرة من المنافقين بقولهم لهم: {وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ}، ولما جد الجد واشتد الحصار والقتال .. تخلوا عنهم وأسلموا للهلكة، كمثل الشيطان إذ سول للإنسان الكفر والعصيان، فلما دخل فيه .. تبرأ منه وتنصل وقال:{إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ}. ولا تجد مثلًا أشد وقعًا على النفوس، ولا أنكى جرحًا في القلوب من هذا المثل لمن اعتبر وادكر، ولكنهم قوم لا يعقلون.
١٧ - ثم ذكر عاقبة الناصح والمنصوح له، فقال:{فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا}؛ أي: عاقبة الشيطان وذلك الإنسان. قرأ الجمهور بنصب {عَاقِبَتَهُمَا} على أنه خبر {كان} مقدم على اسمها، واسمها قوله:{أَنَّهُمَا فِي النَّارِ}. وقرأ الحسن، وعمرو بن عبيد وسليم بن أرقم برفعه، على أنه اسم {كَانَ}، والخبر ما بعده. وهو أوضح في المعنى.
والمعنى: فكان عاقبة الشيطان وذلك الإنسان الذي كفر أنهما صائران إلى النار حال كونهما {خَالِدَيْنِ}؛ أي: ماكثين {فِيهَا}؛ أي: في النار مكثًا مؤبدًا لا يبرحان عنها. وهو حال من الضمير المستكن في الجار والمجرور. وقرأ الجمهور {خَالِدَيْنِ} بالياء نصبًا على الحال. وقرأ عبد الله وزيد بن علي والأعمش، وابن أبي عبلة {خالدان} بالألف رفعًا على أنه خبر {أن}. والظرف لغو متعلق به. {وَذَلِكَ}؛ أي: الخلود في النار {جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} على الإطلاق دون هؤلاء خاصة.
والمعنى: أي فكان عاقبة الآمر بالكفر والداخل فيه الخلود في النار أبدًا، وهكذا جزاء الظالمين لأنفسهم بالكفر، كيهود بني النضير والمنافقين الذين وعدوهم بالنصرة.
١٨ - ثم رجع سبحانه وتعالى إلى خطاب المؤمنين بالموعظة الحسنة، فقال: