إبراهيم يعبده، وإنما سماه بهذا الاسم؛ لأن من عبد شيئًا أو أحبه .. جعل اسم ذلك المعبود أو المحبوب اسمًا له، فهو كقوله:{يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ}. وقيل: معناه: وإذ قال إبراهيم لأبيه يا عابد آزر، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. والصحيح هو الأول: أن آزر اسم لأبي إبراهيم؛ لأن الله تعالى سماه به، وما نقل عن النسابين والمؤرخين أن اسمه تارح، ففيه نظر؛ لأنهم إنما نقلوه عن أصحاب الأخبار وأهل السير من أهل الكتاب ولا عبرة بنقلهم.
وقد أخرج البخاري في "أفراده" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"يلقى إبراهيم عليه السلام أباه آزر يوم القيامة، وعلى وجه آزر قترة وغبرة .. " الحديث، فسماه النبي - صلى الله عليه وسلم -: آزر أيضًا، ولم يقل: أباه تارح، فثبت بهذا أن اسمه الأصلي آزر لا تارح، والله أعلم. وقيل: كان آزر من أهل حران، وهو تارخ بن ناحور بن ساروع بن أرغو بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام، ذكره أبو حيان في "البحر". وإبراهيم اسم خليل الرحمن أبي الأنبياء الأكبر من بعد نوح، وهو العاشر من أولاد سام كما في سفر التكوين من التوراة، ولد في بلدة: أور؛ أي: النور، من بلاد الكلدان، وهي المعروفة الآن باسم: أورفا في ولاية حلب كما يرجح ذلك المؤرخون. ومعنى إبراهيم: أبو الجمهور العظيم؛ أي: أبو الأمة، وهو تبشير من الله له بتكثير نسله من ولديه إسماعيل وإسحاق عليهما السلام.
وقد أثبت علماء الآثار (١) أن عرب الجزيرة سكنوا منذ فجر التاريخ بلاد الكلدان ومصر، وغلبت لغتهم فيهما، ونقل بعض المؤرخين أن الملك حمورابي الذي كان معاصرًا لإبراهيم عليه السلام عربي، وقد أسكن إبراهيم ابنه إسماعيل مع أمه هاجر المصرية في الوادي الذي بنيت فيه مكة، وأن الله سخر لهما جماعة من جرهم سكنوا معهما هناك، والله أعلم.
٧٥ - {وَكَذَلِكَ}؛ أي: وكما أرينا إبراهيم الحق في أمر أبيه وقومه، وهو أنهم