للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إبراهيم، وإمّا على أنَّه منصوب على الإغراء؛ أي؛ الزموا ملَّة إبراهيم، وإمَّا على أنّه منصوبٌ على إسقاط الخافض؛ أي: نقتدي ملّة إبراهيم؛ أي: بملة إبراهيم، ويحتمل أن يكون الخطاب للكفار، فيكون المضمر اتبعوا، أو كونوا، ويحتمل أن يكون من كلام المؤمنين، فيقدَّر نتَّبع، أو نكون، أو نقتدي على ما تقدم تقديره.

وقرأ ابن هرمز الأعرج، وابن أبي عبلة: {بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} برفع ملَّة وهو خبر مبتدإٍ محذوف؛ أي: بل الهدى ملة إبراهيم، أو أمْرُنا ملَّتُه، أو نحن ملَّتُه؛ أي؛ أهل ملته، أو مبتدأ محذوف الخبر؛ أي: بل ملة إبراهيم حنيفًا ملَّتنا؛ أي: بل نتبع ملة إبراهيم حالة كون إبراهيم {حَنِيفًا}؛ أي: مائلًا عن الأديان الباطلة كُلِّها من اليهودية، والنصرانية، والوثنية، إلى الدين الحق السَّمح الذي هو التوحيد، وهو حالٌ من المضاف إليه، وهو إبراهيم، كما في قولهم: رأيت وجه هندٍ قائمةً؛ لأنَّ رؤية وجه هندٍ يستلزم رؤيتها، فالحال هنا تبين هيئة المفعول، أو من المضاف وهو المِلَّة، وتذكير حنيفًا حينئذٍ بتأويل الملة بالدين؛ لأنّهما متَّحدان ذاتًا، والتغاير بالاعتبار، وإنَّما خصَّ (١) إبراهيم دون غيره من الأنبياء، وإن كان كُلُّهم مائلين إلى الحق مستقيمين في الطريقة حنفاء؛ لأنّ الله تعالى اختصَّ إبراهيم بالإمامة؛ لِمَا سنَّه من مناسك الحج، والختان، وغير ذلك من شرائع الإِسلام ممَّا يقتدى به إلى قيام الساعة {وَمَا كاَنَ} إبراهيم {مِنَ الْمُشْرِكِينَ} بالله تعالى؛ أي: وما كان على دينهم، والمراد بالإشراك: مطلق الكفر، وفي هذا تعريضٌ بهم، وإيذانٌ ببطلان دعاويهم اتباع إبراهيم عليه السلام مع إشراكهم، فإشراك اليهود بقولهم: عزير ابن الله، وإشراك النصارى بقولهم: المسيح ابن الله وإشراك غيرهما بعبادة الأوثان، والشمس، والقمر، والكواكب، والملائكة، وغيرها.

وفي الآية: إرشاد (٢) إلى اتباع دين إبراهيم، وهو الدين الذي عليه نبيُّنا محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وأتباعه، وبعد أن أمر الله سبحانه نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو الناس إلى اتّباع ملة إبراهيم، أمر المؤمنين بمثل ذلك، فقال:

١٣٦ - (قُولُوا) أيُّها المؤمنون!


(١) العمدة.
(٢) روح البيان.