السماء، فإن من الملائكة من لا يصعد من الأرض إلى السماء أبدًا، كما أن منهم من لا ينزل من السماء إلى الأرض أبدًا.
والحاصل: أن الجملة الأولى قد أفادت نفي العناد والاستكبار عنهم، فهي كقوله:{لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ}، وأفادت الثانية نفي الكسل عنهم، فهي كقوله تعالى:{وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ}.
وخلاصة ذلك: يمتثلون الأمر ولا يمتنعون عن تنفيذه، بل يؤدونه من غير تثاقل ولا توانٍ.
٧ - وبعد أن ذكر شدة العذاب في النار واشتداد الملائكة في الانتقام من أعداء الله الكافرين .. بين أنه يقال للكافرين: لا فائدة في الاعتذار؛ لأنه توبة، والتوبة غير مقبولة بعد الدخول في النار، فقال:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ}؛ أي: تقول الملائكة للذين كفروا عند إدخالهم النار حسبما أمروا به: لا تعتذروا في هذا اليوم عن كفركم ومعاصيكم، فقد فات الأوان ولا يجدي رجاء ولا اعتذار، فلات ساعة مندم:
قال الراغب: العذر: تحري الإنسان ما يمحو به ذنوبه. وذلك ثلاثة أضرب: أن يقول: لم أفعل، أو يقول: فعلت لأجل كذا - فيذكر ما يخرجه عن كونه مذنبًا - أو يقول: فعلت ولا أعود، ونحو ذلك، وهذا الثالث هو التوبة، فكل توبة عذر وليس كل عذر توبة، واعتذرت إليه: أتيت بعذر، وعذرته: قبلت عذره.
ثم بيَّن السبب في عدم فائدة الندم، فقال:{إِنَّمَا تُجْزَوْنَ} اليوم {مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} في الدنيا من الكفر والمعاصي بعدما نهيتم عنها أشد النهي، وأمرتم بالإيمان والطاعة، فلا عذر لكم قطعًا؛ أي: حقيقة. وفي بعض التفاسير: لا تعتذروا اليوم؛ لما أنه ليس لكم عذر يعتد به حتى يقبل فينفعكم. وهذا النهي لهم إن كان قبل وقوع الاعتذار منهم .. فهو لا يوافق ظاهر قوله تعالى:{وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ}، وإن كان بعده .. فيؤول هذا القول ويقال: لا يؤذن لهم أن يتموا اعتذارهم ولا يسمع إليه.
والمعنى: أي لا تعتذروا لأنكم، إنما تثابون اليوم، وتعطون جزاء أعمالكم