للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لا، أي: لا تأخير ولا إمهال، اهـ شيخنا.

وقال الزمخشري: فإن قلت (١): ما معنى التعقيب في قوله: {فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً}؟

قلت: ليس المعنى يراد برؤية العذاب ومفاجأته، وسؤال النظرة فيه الوجود، وإنما ترتبها في الشدة، كأنه قيل: لا يؤمنون بالقرآن حتى تكون رؤيتهم العذاب، فما هو أشد منها؟ وهو لحوقه بهم مفاجأة، فما هو أشد منه، وهو سؤالهم النظرة. ونظير ذلك أن تقول: إن أسأت مقتك الصالحون، فمقتك الله سبحانه، فإنك لا تقصد بهذا الترتيب أن مقت الله يوجد عقيب مقت الصالحين، وإنما قصدك إلى ترتيب شدة الأمر على المسيء، وأنه يحصل له بسبب الإساءة مقت الصالحين، فما هو اْشد من مقتهم وهو مقت الله انتهى، فوجب أن لا تكون الفاء للترتيب الزماني، بل للترتيب الرتبي.

٢٠٣ - ثم بين أنهم يتمنون التاخير حينئذ ليتداركوا ما فات {فَيَقُولُوا}؛ أي: كل أمة معذبة على وجه الحسرة والأسف. والتمني للإمهال ليتداركوا ما فرطوا فيه {هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ} أي: مؤخرون إلى حين لنؤمن ونصدق، وهو استفهام طمع في المحال. وهو إمهالهم بعد مجيء العذاب، وهم في الآخرة يعلمون أن لا ملجأ لهم، لكنهم يذكرون ذلك استرواحًا.

٢٠٤ - ولما أوعدهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالعذاب قالوا: إلى متى توعدنا به، ومتى هذا العذاب؟ كما قال: {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ} (٢) والهمزة فيه للاستفهام التوبيخي التهكمي بهم، حيث استعجلوا ما فيه ضررهم، وحتف أنفسهم، داخلة على محذوف يقتضيه المقام والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أيكون حالهم كما ذكر من طلب الإنظار عند نزول العذاب الأليم، وبينهما من التنافي ما لا يخفى على أحد، أو أيغفلون عن ذلك مع تحققه وتقرره، فيستعجلون ... إلخ.

وإنما قدم الجار والمجرور للإيذان بأن مصب الإنكار والتوبيخ كون


(١) الكشاف.
(٢) أبو السعود.