فيكونون في رحمة الله وجنته، وعبر عنها بالرحمة تنبيهًا على أن المؤمن، وإن استغرق عمره في طاعة الله تعالى، فإنه لا يدخل الجنة إلا برحمته تعالى:{هم فيها خالدون}؛ أي: هم دائمون في رحمته وجنته، لا يظعنون عنها ولا يموتون، قيل: إنما كرر {في} لأن في كل واحدة منها معنى غير الأخرى المعنى أنهم في رحمة الله، وأنهم في الرحمة خالدون، وقرأ أبو الجوزاء، وابن يعمر {فأما الذين اسوادات وأما الذين ابياضت} بألف.
١٠٨ - {تِلْكَ}؛ أي: هذه الآيات المشتملة على تنعيم الأبرار وتعذيب الكفار {آيَاتُ اللَّهِ} القرآنية، ودلائله الدالة على صدقك يا محمَّد {نَتْلُوهَا}، أي: نقرؤها بواسطة جبريل {عَلَيْكَ} يا محمَّد حالة كونها ملتبسة {بِالْحَقِّ} والعدل في مجازاة المحسن، والمسيء بما يستوجبانه، أو حالة كوننا ملتبسين بالحق والصدق.
{وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ}؛ أي: وما يريد الله فردًا من أفراد الظلم لفرد من أفراد العالمين في وقت من الأوقات فضلًا عن أن يفعله، وأما ظلم بعضهم لبعض فواقع كثيرًا، وكل واقع فهو بإرادته تعالى، والمعنى لا يشاء أن يظلم هو عباده، فيأخذ أحدًا بغير جرم أو يزيد في عقاب مجرم، أو ينقص من ثواب محسن.
والحاصل: أن كل ما يأمرهم به وينهاهم عنه فإنما يريد به هدايتهم، إلى ما يكمل فطرتهم ويتم به نظام جماعتهم، فإذا هم فسقوا عن أمره حل بهم البلاء، وكانوا هم الظالمين، لأنفسهم بتفرقهم، واختلافهم إلى نحو ذلك من الذنوب التي تفسد نظم المجتمع، وتجعل أهله في شقاء، ولا يحل عذاب بأمة إلا بذنب فشا فيها، فزحزحها عن الصراط المستقيم، كما قال تعالى:{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}.
١٠٩ - ثم ذكر ما هو كالبرهان لنفي الظلم عنه تعالى فقال:{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}؛ أي: ولله سبحانه وتعالى لا لغيره جميع ما في السموات، وما في الأرض ملكًا، وخلقًا، إحياءً وإماتة، وإثابةً، وتعذيبًا.
لما ذكر الله تعالى أنه لا يريد ظلمًا للعالمين، لأنه لا حاجة به إلى الظلم،