للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٣٨ - ثم أعقب ذلك بذكر ما هو كالدليل على ما سلف، فقال: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}؛ أي: وعزتي وجلالي، لقد أوجدنا السموات والأرض {وَمَا بَيْنَهُمَا} من أصناف المخلوقات {فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ}؛ أي: في قدر (١) ستّة أيّام من أيّام أول الدنيا، طول كل يوم ألف سنة من هذه الأيام. الأرض في يومين، ومنافعها في يومين، والسموات في يومين، ولو شاء .. لكان ذلك في أقل من لمح البصر، ولكنّه سن لنا التأنّي بذلك، فإن العجلة من الشيطان، إلا في ستة مواضع: أداء الصلاة إذا دخل الوقت، ودفن الميت إذا حضر، وتزويج البكر إذا أدركت، وقضاء الدين إذا وجب وحل، وإطعام الضيف إذا نزل، وتعجيل التوبة إذا أذنب. قال بعضهم: إذا فتح الله عليك بالتصريف .. فأتِ البيوت من أبوابها، وإيّاك والفعل بالهمة من غير أناة، وانظر إلى الحق سبحانه كيف خمر طينة آدم بيديه، وسواه وعدله، ثم نفخ فيه الروح، وعلمه الأسماء، فأوجد الأشياء على ترتيب ونظام، وكان قادرًا أن يكون آدم ابتداءً من غير تخمير، ولا شيء مما ذكر.

{وَمَا مَسَّنَا} بذلك الخلق، مع كونه مما لا تقي القوى والقدر {مِنْ لُغُوبٍ}؛ أي: من إعياء ولا تعب ولا نصب، فإنه لو كان .. لاقتضى ضعفًا، فاقتضى فسادًا، فكان من ذلك شيء على غير ما أردناه، فكان تصرفنا فيه غير تصرفنا في الباقي، وأنتم تشاهدون الكل على حدٍّ سواء من نفوذ الأمر، وتمام التصرف، وفي "التأويلات النجمية": وما مسَّنا من لغوب؛ لأنها خلقت بإشارة أمر كن كما قال تعالى: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠)} فأنَّى يمسه اللغوب، وأنه صمد لا يحدث في ذاته حادث، انتهى. و {مِنْ}: زائدة، و {لُغُوبٍ}: فاعل، والجملة: إما حالية، أو مستأنفة.

والمعنى (٢): قسمًا بربك، إنا خلقنا السموات والأرض، وملأناهما بالعجائب في ستة أطوار مختلفة وما مسنا تعب ولا إعياء، ولا تزال عجائبنا تترى


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.