للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قلت: إن استغراقهم في الطاعة، إنما هو لاستغراقهم في الشوق إلى لقاء الله، ولما لم يكن ذلك إلا في الآخرة، استغرقوا في تذكرها، وفي «التأويلات النجمية»: إنا صفيناهم عن شوب صفات النفوس، وكدورة الأنانية، وجعلناهم لنا خالصين بالمحبة الحقيقية، ليس لغيرنا فيهم نصيب، ولا يميلون إلى الغير بالمحبة العارضة، لا إلى أنفسهم، ولا إلى غيرهم، بسبب خصلة خالصة غير مشوبة بهمّ آخر، هي ذكرى الدار الباقية، والمقر الأصلي؛ أي: استخلصناهم لوجهنا بسبب تذكرهم لعالم القدس، وإعراضهم عن معدن الرجس، مستشرقين لأنواره، لا التفات لهم إلى الدنيا، وظلماتها أصلًا، انتهى.

وقرأ أبو جعفر، وشيبة، والأعرج، ونافع، وهشام (١): {بِخالِصَةٍ} بغير تنوين أضيفت إلى {ذِكْرَى}. وقرأ باقي السبعة بالتنوين، و {ذِكْرَى} بدل من {بِخالِصَةٍ}. وقرأ الأعمش، وطلحة {بخالصتهم}.

والمعنى: أي إنا جعلناهم خالصين لطاعتنا، عاملين بأوامرنا ونواهينا، لاتصافهم بخصلة جليلة الشأن، لا يساويها غيرها من الخصال، وهي تذكرهم الدار الآخرة، فهي مطمح أنظارهم، ومطرح أفكارهم في كل ما يأتون، وما يذرون، ليفوزوا بلقاء ربهم، وينالوا رضوانه في جنات النعيم.

٤٧ - {وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ}؛ أي: لمن المختارين في الدنيا بالنبوة والإسلام {الْأَخْيارِ} عند الله يوم القيامة.

والمعنى (٢): أي وإنهم لمن المختارين، الذين جبلت نفوسهم على الخير فلا تطمح إلى الأذى، ولا تميل إلى التباغض والتحاسد، ولا ترتكب الشرور والآثام.

٤٨ - {وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ} بن إبراهيم عليهما السلام، وإنما فصل ذكره عن ذكر أبيه


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.