{وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ} فهو يجزي العاملين بحسب ما يعلم من أحوالهم، وما تنطوي عليه سرائرهم، فمن كان إيمانه صحيحًا، واتَّقى الله .. فازَ بالسعادة، وفيه بشارةٌ لهم بجزيل الثواب، ودلالة على أنه لا يفوز عنده تعالى إلّا أهل التقوى.
وهذه الجملة كالدليل لما قبلها؛ لأن عدم الإثابة المعبَّر عنه بالكفر، إمَّا للسهو والنسيان، واما للجهل، وذلك ممتنع في حقه تعالى؛ لأنه عليم بكل شيء، وإما للعجز أو البخل أو الحاجة، وكل ذلك محال عليه؛ لأنه خالق جميع الكائنات، وهو القادر على كل شيء. ولما انتفى كل هذا .. كان المنع من الجزاء محالًا.
١١٦ - {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لمَّا بَيَّن فيما سلف أحوال الكافرين، وما يحيق بهم من العقاب وأحوال المؤمنين، وما أعدَّ لهم من الثواب جامعًا بين الزجر والترغيب، والوعد والوعيد، ثم وصف من آمن من الكفار بتلك الخلال الحسنة، والمفاخر التي عددها لهم .. أتبع ذلك بوعيد الكفار، وتيئيسهم بأنهم لن يجدوا يوم القيامة ما يدفع عنهم عذابه، ثم أردفه ببيان أن ما ينفقونه في هذه الحياة الدنيا في لذاتهم وجاههم، وتأييد كلمتهم لا يفيدهم شيئًا كزرع أصابته ريح فيها صر فأهلكته فلم يستفد أصحابه منه شيئًا.
والمعنى: إن الذين كفروا من أهل الكتاب ومشركي مكة، وغيرهم ممن كانوا يعيرون النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وأتباعه بالفقر، ويقولون: لو كان محمَّد على الحق .. ما تركه ربه في هذا الفقر الشديد، ويتفاخرون بكثرة الأموال، والأولاد كما حكى الله تعالى عنهم {نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} لن تدفع عنهم هذه الأموال، والأولاد يوم القيامة شيئًا من عذاب الله، ولن تنفعهم في الآخرة. واقتصر على ذكرهما؛ لأنهما من أعظم النعم ومن كان يرتع في بحبوحة هذه النعم فقلما يوجه نظره إلى طلب الحق، أو يصغي إلى الداعي إليه، ومن ثم تراه يتخبط في ظلام دامس حتى يتردَّى في الهاوية، ويقع في المهالك، ولا ينفعه مال