للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقرأ الجمهور (١): {وَلَا تُسْأَلُ} بضمّ التاء واللام. وقرأ أُبيٌّ {وما تُسألُ} بضمّ التاء واللام. وقرأ ابن مسعود: {ولن تُسأَل} وهذا كُلَّه على الخبر والنفي، فالقراءة الأولى، وقراءة أُبيٍّ، يحتمل أن تكون الجملة فيهما مستأنفةً، وهو الأظهر، ويحتمل أن تَكون في موضع الحال، وأمَّا قراءة ابن مسعود، فيتعيَّن فيها الاستئناف، والمعنى: على الاستئناف إنَّك لا تسأل عن الكفار ما لهم لم يؤمنوا؛ لأنَّ ذلك ليس إليك {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ} {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} في ذلك تسليةٌ له - صلى الله عليه وسلم -، وتخفيف ما كان يجده من عنادهم، فكأنَّه قيل: لست مسؤولًا عنهم، فلا يحزنك كفرهم، وفي ذلك دليلٌ: على أنَّ أحدًا لا يسأل عن ذنب أحدٍ، ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى، وأمَّا الحال، فعطفٌ على ما قبلها من الحال، أي: وغير مسؤول عن الكفار ما لهم لا يؤمنون، فيكون قيدًا في الإرسال بخلاف الاستئناف.

وقرأ نافعٌ، ويعقوبٌ {ولا تَسْأَلْ} بفتح التاء وجزم اللام على النهي؛ أي: (٢) لا تسأل يا محمد! عن حال كفار أهل الكتاب التي تكون لهم يوم القيامة، ولا يمكنك في هذه الدار الاطلاع عليها، وذلك إعلامٌ بكمال شدّة عقوبة الكفار، فلا يستطيع السامع أن يسمع خبرها، ولا يصبر على استماعه لشدّتها

١٢٠ - {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ} يا محمد! {الْيَهُودُ} ولن تحب دينك، ولو خلَّيتهم وشأنهم حتى تتبع دينهم وقبلتهم {وَلَا} ترضى يا محمد! {النَّصَارَى} ولن تحبّ دينك، ولو تركتهم ودينهم {حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} وتصلِّي إلى قبلتهم. قال الواحديُّ: الآية نزلت في تحويل القبلة، وذلك أنّ اليهود والنصارى كانوا يرجون أن يرجع محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - إلى دينهم، فلمَّا صرف الله القبلة إلى الكعبة، شقَّ عليهم، وأيسوا منه أن يوافقهم، فأنزل الله تعالى {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} يعني: دينهم وتُصلِّي إلى قبلتهم، وفي الآية مبالغةٌ في إقناط الرسول - صلى الله عليه وسلم -، من طمعه في إسلامهم، حيث علَّق رضاهم عنه بما لا سبيل إليه، وما يستحيل وجوده، فإنَّهم إذا لم يرضوا عنه حتّى يتَّبع ملتهم، فكيف يتَّبعون ملَّته؟ أي: دينه، فكأنَّهم قالوا:


(١) البحر المحيط.
(٢) المراح.