للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ذاك (١) أنهم لم يعقلوا مما في القرآن من أنباء الغيب إلا أنها حكايات وخرافات تسطر وتكتب كغيرها من الأنباء والخرافات، فلا علم فيها، ولا فائدة منها، وهذه حال من يسمع جرس الكلام ولا يتدبره ولا يفقه أسراره، أو من ينظر إلى الشيء نظرة جميلة لا يستنبط منها علمًا، ولا يستفيد منها عقيدة ولا رأيًا، وما مثلهما إلا مثل من يشاهد ألعاب الصور المتحركة - السينما - مفسرة بلغةٍ هو لا يعرفها، فكل همه مما يرى من المناظر والكتابة لا يعدو التسلية وشغل الوقت. فلو عقل هؤلاء قصص القرآن وتدبروا معانيها .. لكان لهم من ذلك آيات بينات تدل على صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وعبر ومواعظ ونذر تبيِّن سنن الله تعالى في خلقه مع الأقوام الذين كذبوا وكان عاقبة أمرهم الدمار والنكال،

٢٦ - ثم بين أن أمرهم لم يقتصر على حد الضلال، بل تعدوه إلى الإضلال، وساروا قدمًا، فقال: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ}؛ أي: وأولئك المشركون المعاندون للنبي - صلى الله عليه وسلم - الجاحدون لنبوته لا يقنعون بتكذيبهم له، وعده حديث خرافة، بل ينهون الناس عن استماعه؛ لئلا يقفوا على حقيقته فيؤمنوا به {وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ}؛ أي: ويتباعدون عنه بأنفسهم إظهارًا لاشمئزازهم ونفورهم منه، وتأكيدًا لنهيهم فيكونون ناهين منتهين، يعني: أن كفار مكة كانوا يمنعون الناس عن الإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، وعن الاجتماع به وينهونهم عن استماع القرآن، وكانوا هم كذلك، أو المعنى: ينهون عن التعرض لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وينأون عنه، فلا يؤمنون به كأبي طالب. ثم ذكر أن عاقبة ذلك الوبال والنكال لهم، فقال: {وَإِنْ يُهْلِكُونَ}؛ أي: وما يهلكون بما فعلوا من النهي والنأي {إِلَّا أَنْفُسَهُمْ} بإقبالها لأشد العذاب {وَمَا يَشْعُرُونَ}؛ أي: وما يعلمون أنهم يهلكون أنفسهم ويذهبونها إلى النار بما يفعلون من الكفر والمعصية.

والخلاصة (٢): وما يهلكون إلا أنفسهم بتعريضها لأشد العذاب وأفظعه، وهو عذاب الضلال والإضلال، وما يشعرون بذلك، بل يظنون أنهم يبغون الغوائل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا من معجزات القرآن وإخباره بالغيب، فقد هلك جميع الذين أصروا على عداوته - صلى الله عليه وسلم - بعضهم في نِقمَ خاصة، وبعضهم في وقعة


(١) المراغي.
(٢) المراغي.