للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

دعوة الرسل الكرام واحدة، وهدفهم واحد، وطريقتهم واحدة، فهم لا يطلبون من أحد أجرًا، ولا مالًا، ولا شيئًا من حطام الدنيا على تبليغهم الرسالة، إنما يطلبون الأجر من الله وحده.

وقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} ذكر مكررًا للتأكيد في ثلاثة مواضع: في قصة نوح، وهود، وشعيب، فإن قلت: لِمَ خصت الثلاثة بالتأكيد؟.

قلت: اكتفاء عنه في قصة لوط بقوله: {إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ}، وفي قصة شعيب بقوله: {وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (١٨٤)} لاستلزامهما له.

١١١ - وبعد أن أقام الدليل على صدق رسالته وعظيم نصحه وأمانته لهم .. أرادوا أن يتنصلوا من اتباع دعوته بحجة هي أوهى من بيت العنكبوت، كما ذكره بقوله: {قَالُوا}؛ أي: قال قوم نوح {أَنُؤْمِنُ لَكَ} الاستفهام للإنكار؛ أي: لا نؤمن لك {وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ}؛ أي: والحال أنه قد اتبعك الأخسون؛ أي: الأقلون مالًا وجاهًا، والمراد (١) بهم هنا فقراء الناس وضعفاؤهم، وإنما بادروا للاتباع قبل الأغنياء؛ لاستيلاء الرئاسة على الأغنياء وصعوبة الانفكاك منها، والأنفة عن الانقياد للغير، والفقير خلي من تلك الموانع، فهو سريع الإجابة والانقياد، وهذا غالب أحوال أهل الدنيا اهـ. "قرطبي" من سورة هود.

وهذا (٢) من كمال سخافة عقولهم وقصرهم أنظارهم على الدنيا، وكون الأشرف عندهم من هو أكثر منها حظًا، والأرذل من حرمها، وجهلهم أنها لا تزن عند الله جناح بعوضة، وأن النعيم هو نعيم الآخرة، والأشرف من فاز به، والأرذل من حرمه، وهكذا كانت قريش تقول في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما زالت أتباع الأنبياء ضعفاء الناس، وقس أتباع العلماء على أتباعهم من حيث وراثتهم لدعوتهم وعلومهم وأذواقهم، ومحنهم وابتلائهم، وذلك لأن العلوم من أرباب المال والجاه والثروة لم تأت إلا نادرًا.


(١) قرطبي.
(٢) روح البيان.