للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عَنْهُمُ}؛ أي: عن هؤلاء المشركين مِنْ قومك {الْعَذَابَ} الذي تَقَدَّم ذِكْرُه في قوله: {عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ}، وقيل: عذاب يومِ القيامة، وما بعده، وقيل: يوم بدر {إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ}؛ أي: إلى طائفة من الأيام قليلة, لأن ما يحصره العدُّ قليلٌ.

{لَيَقُولُنَّ} بطريق الاستعجال استهزاءً {مَا يَحْبِسُهُ}؛ أي: أيُّ شيء يَمْنَعُ العذابَ من المجيء إلينا، والنزولِ علينَا، والمعنى: وعزتي، وجلالي، لئن أخَّرْنَا عنهم عذابَنا الذي توعدهم به الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى حين من الزمن مقدَّر في علمنا، وهو مقتضى سنتنا في خَلْقِنا وبَيَّناه في كتابنا بقولنا: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} ليقولُن استهزاءً، أيُّ شيء من الأشياء يمنع هذا العذاب، ويحبسهُ من الوقوع، إن كان حقًّا، والاستفهامُ فيه للإنكار، المضمَّنِ للاستهزاء، والسخرية، ثُمَّ توعَّدَهم بنزوله، وأجابَهم بقوله: {ألا}؛ أي: أنتبهوا أيُّها المخاطبون {يَوْمَ يَأْتِيهِمْ}؛ أي: العذابُ {لَيْسَ مَصْرُوفًا}، ولا مدفوعًا، ولا محبوسًا {عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ} عبر بلفظ الماضي تنبيهًا على تحقُّق وقوعه، فكأنَّه قد حاق بهم {مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}؛ أي: ويَحِيقُ ويُحيط بهم العذاب الذي كانوا يستعجلُونه استهزاءً منهم، ووَضَع يستهزئون مكانَ يستعجلون؛ لأنَّ استعجالَهم كانَ استهزاءً منهم.

والمعنى: انتبهوا أنَّ له يومًا يأتيهم فيه حين تنتهي المدَّة المضروبةُ دُونَهُ، ويومئذ لا يصرِفه صارفٌ، ولا يحبسه حابسٌ، وسيحيط بهم يومَئذ مِن كل جانب ما كانوا يستهزئون به من العذاب قبل وقوعه، فلا هو يصرف عَنْهُم، ولا ينجَونَ مِنه.

٩ - {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ} و (اللام) فيه موطئة للقسم، والمراد: الجنسُ فشَمَلَ المؤمنَ والكافرَ بدليل الاستثناء بقوله: {إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا}؛ أي: وعزتي وجلالي: لَئِن أذقنا الإنسان وأعطيناه {مِنَّا رَحْمَةً}؛ أي: رحمةً كائنةً منا، ورحمةً صادرةً من جهَتِنا كغِنًى، وصِحَّةٍ {ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ}؛ أي: سلبناه إياها {إِنَّهُ لَيَئُوسٌ}؛ أي: لقاطع رجاءه من عود أمثالها لقِلَّةِ صبره وعدم ثقته بالله {كَفُورٌ}؛ أي: عظيم الكفران لما سَلَفَ من النعم، وقيل: المرادُ بالإنسان جنس الكفار، ويؤيده أنَّ اليأسَ والكفرانَ، والفرحَ، والفخرَ، هي: أوصافُ أهل الكفر، لا أهل