للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى: (١) أنَّ هذا الذي تقدم بيان للناس كافةً، وهدى وموعظة للمتقين منهم خاصةً، فالإرشاد عام للناس، وحجة على المؤمن، والكافر التقي منهم والفاجر.

وذلك يدحض ما وقع للمشركين والمنافقين من الشبهة بنحو قولهم: لو كان محمدٌ رسولًا حقًّا لما غلب في وقعة أحدٍ. فهذا الهدي والبيان يرشد إلى أن سنن الله حاكمة على الأنبياء والرسل كما هي حاكمةٌ على سائر خلقه. فما من قائدٍ يخالفه جنده، ويتركون حماية الثغر الذي يؤتون من قبله، ويخلون بين عدوهم وظهورهم، والعدو مشرف عليهم، إلا كان جيشه عرضةٌ للإنكسار؛ إذا كر العدو عليه قطع خط الرجعة، ولا سيما إذا كان بعد فشل وتنازع، ومن ثم كان هذا البيان لجميع الناس كلٌّ على قدر استعداده للفهم وقبول الحجة.

وأما كونه هدى وموعظةً للمتقين خاصَّةً، فلأنهم هم الذين يهتدون بمثل هذه الحقائق، ويتعظون بما ينطبق عليها من الوقائع، فيستقيمون، ويسيرون على النهج السوي، ويتجنبون نتائج الإهمال التي تظهر لهم مضرة عاقبتها. فالمؤمن حقًّا، هو الذي: يهتدي بهدي الكتاب، ويسترشد بمواعظه كما قال تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} فالقرآن يهدينا في مسائل الحرب، والتنازع مع غيرنا، إلى أن نروض أنفسنا ونعرف عنه استعدادنا لنكون على بصيرة من حقنا، فنسير على سنن الله في طلبه، وفي حفظه، وأن نعرف كذلك حال خصمنا، ونضع الميزان بيننا وبينه وإلا كنا غير مهتدين ولا متعظين.

١٣٩ - {وَلَا تَهِنُوا}؛ أي: ولا تضعفوا عن الجهاد مع عدوكم لما أصابكم من الهزيمة يوم أحد {وَلَا تَحْزَنُوا} على ما فاتكم من الغنائم فيه، ولا على ما أصابكم من القتل، والجراحة، وكان قد قتل منهم يومئذٍ سبعون رجلًا خمسةٌ من المهاجرين، حمزة بن عبد المطلب، ومصعب بن عمير، صاحب راية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعبد الله بن جحش ابن عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وشماس بن عثمان، وسعدٌ


(١) المراغي.