للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لا إلى غيره {مَتَابِ}؛ أي: توبتي، وهو مصدر ميمي لتاب يتوب، وأصله (١) متابي بالإضافة إلى ياء المتكلم، ولكنها حذفت اجتزاء عنها بالكسرة؛ أي: مرجعي ومرجعكم فيرحمني وينتقم لي منكم، والانتقام من الرحمن أشد، ولذا قيل: نعوذ بالله من غضب الحليم.

وفي هذا (٢): بيان لفضل التوبة ومقدار عظمها عند الله، وبعث للكفار على الرجوع عما هم عليه بأبلغ وجهٍ وألطف سبيل؛ إذا أمر بها عليه السلام وهو منزه عن اقترات الذنوب، فتوبتهم وهم عاكفون على أنواع الكفر والمعاصي أحق وأجدر.

٣١ - {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا}؛ أي: ولو ثبت أن كتابًا من الكتب السماوية {سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ}؛ أي: نقلت بتلاوته عن أماكنها، وأذهبت عن وجه الأرض بقرائته عليها، كما فعل ذلك بالطور لموسى عليه السلام {أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ}؛ أي: أو شقت الأرض بتلاوته عليها، وجعلت أنهارًا وعيونًا، كما فعل بالحجر حين ضربه موسى بعصاه {أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى}؛ أي: أو كلم أحد به الموتى في قبورهم بأن أحياهم بقرائته عليهم، فتكلم معهم كما وقع لعيسى عليه السلام، وجواب {لَوْ} محذوف تقديره: لو ثبت أمر من هذه الأمور الثلاثة لكتاب من الكتب السماوية لثبت لهذا الكتاب العظيم، ولهذا القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لما انطوى عليه من الآيات الكونية الدالة على بديع صنع الله في الأنفس والآفاق، ولما اشتمل عليه من الحكم والأحكام التي فيها صلاح البشر وسعادتهم في الدار الفانية والدار الباقية، واشتمل عليه من قوانين العمران التي تكون خيرًا لمتبعيها وفوزًا لسالكيها، ويجعل منهم خير أمة أخرجت للناس.

أو التقدير: لو ثبت أمر من هذه الأمور الثلاثة لكتاب من الكتب السماوية .. لكان هو هذا القرآن لكونه ينطوي على عجائب آثار قدرة الله تعالى،


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.