للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

شيء، والغرض منه شيء آخر، فالغرض من قوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ} الإعلام بأن من لم يستطع دفع المضرة عن نفسه .. كيف يستطيع دفع المضرة عن غيره، فكيف يصلح إلهًا؟!

وقرأ ابن السميقع (١): {بَلْ فَعَلَهُ} بتشديد اللام على معنى بل، فلعل الكاسر والفاعل ذلك كبيرهم

٦٤ - {فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ}؛ أي: رجع بعضهم إلى بعض رجوع المنقطع عن حجته، المتفطن لصحة حجة خصمه، المراجع لعقله، وذلك أنهم تنبهوا وفهموا عند هذه المقالة بينهم وبين إبراهيم، أن من لا يقدر على دفع المضرة عن نفسه، ولا على الإضرار بمن فعل به، ما فعله إبراهيم بتلك الأصنام، يستحيل أن يكون مستحقاً للعبادة، ولهذا {فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ}؛ أي: قال بعضهم لبعض: أنتم الظالمون لأنفسكم، بعبادة هذه الجمادات، وليس الظالم، من نسبتم الظلم إليه بقولكم {إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ} وما هذا منكم إلّا غرور وجهل، بما ينبغي أن تكون عليه حال المعبود.

٦٥ - ثم أبان أنهم أركسوا بعدئذٍ (٢)، ورجعوا عن فكرة سليمة، لا غبار عليها، بوصفهم أنفسهم بالظلم إلى فكرة خاطئة، وهي الحكم بصحة عبادتها، مع اعترافهم بأن حالهم دون حال الحيوان، فلا ينبغي لعاقل أن يعبدها، فقال: {ثُمَّ نُكِسُوا} وانكبوا {عَلَى رُءُوسِهِمْ} أي: رجعوا إلى جهلهم وعنادهم، شبه سبحانه، عودهم إلى الباطل، بصيرورة أسفل الشيء أعلاه. وقيل: المعنى أنهم طأطؤوا رؤوسهم خجلةً من إبراهيم؛ أي: انقلبوا عن الفكرة الصالحة إلى الحالة الأولى، فأخذوا في المجادلة بالباطل قائلين: والله {لَقَدْ عَلِمْتَ} يا إبراهيم {مَا هَؤُلَاءِ} الأصنام {يَنْطِقُونَ}؛ أي: لقد علمت أنه ليس من شأنهم النطق، فكيف تأمرنا بسؤالهم.

وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة وابن مقسم وابن الجارود والبكراوي (٣):


(١) الشوكاني والبحر.
(٢) المراغي.
(٣) المراح.