للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وإنما يجوز الدعاء بتسخير الأسباب، والتوفيق فيها، والهداية إلى العلم بالمجهول، من السنن والنظام لنكثر من عمل الخير، ونزيدَ من عمل البر والإحسان {إِنِّي أَعِظُكَ}؛ أي: أُخَوِّفكَ وأحذرك وأنهاك عن {أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} بالسؤال، سَمَّى سؤالَه عليه السلام جهلًا؛ لأنَّ حُبَّ الولد شَغَلَه عن تذكرِ استثناءِ مَنْ سبق عليه القول منهم بالإهلاك.

أي: إني أنهَاكَ أن تكون من زُمرةِ مَنْ يجهلون فيسألونَه تعالى أن يبطِلَ حكمتَه، وتقديرَه في خلقه إجابة لشهواتهم، وأهْوائِهم في أنفسهم، أو أهليهم، أو مُحِبِّيهم، وفي ذلك (١) دليلٌ على أنَّ منْ أكبر الجهالات أنْ تسأل بعضَ الصَّالحِينَ والأولياء ما نهى الله عنه نَبِيًّا من أولي العزم مِنْ رسله أن يَسْألَهُ إيَّاه، فإنَّ ذَلِك يقتضي بأن الله يعطيهم ما لم يعط مثله لرسله.

قال ابن العربي: وهذه زيادة من الله، وموعظة يرفع بها نوحًا عن مقام الجاهلين، ويُعْلِيه بها إلى مقام العلماء العاملين.

وقرأ الصاحبان (٢) - نافع وابن عامر -: {تَسْألنِّ} بتشديد النون مكسورةً، وقرَأ أبو جعفر، وشيبة، وزيد بن عليّ كذلكَ إلا أنهم أثبتوا (الياء) بعد (النون)، وابنُ كثير بتشديدها مفتوحةً، وهي قراءة ابن عباس، وقرأ الحسن، وابن أبي مليكة {تسالنِي} من غير همز من سال يسال، وهما يتساولان، وهي لغة سائرة، وقَرأ باقي السبعة بالهمز وإسكان اللام، وكسر النون، وتخفيفِها وأثْبتَ الياء في الوصل وَرْشٌ، وأبو عمرو، وحَذَفَها الباقون.

٤٧ - قال الزمخشري: المعنى فلا تلتمس ملتمسًا أو التماسًا لا تعلمُ أصَواب هو أم غير صواب؟ حتى تَقِفَ على كنهه، ثمَّ لمَا عَلِمَ نوح بأنَّ سؤاله لم يطابق الواقع، وأنَّ دعاءَه ناشيء عن وهم كانَ يتوهمه، بادَرَ إلى الاعتراف بالخَطَأ، وطلب المغفرة والرحمة فـ {قال} نوح {رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ} وألتجِىءُ إليكَ وأحتمي بك من {أَنْ أَسْأَلَكَ} بعد الآن {مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ}؛ أي: شَيئًا لا


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.