للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

١٦ - أي: من كان همه من الدين ابتغاء رضوان الله تعالى، لا تقرير ما ألفه، ونشأ عليه، وأخذه من أسلافه، مع ترك النظر والاستدلال، أو المعنى من سبق في علمه أنه يتبع وإلا فمن اتبع فلا معنى لهدايته {سُبُلَ السَّلَامِ}؛ أي: إلى طرق السلامة من العذاب والمخاوف الموصلة إلى دار السلام، وهو دين الإِسلام، وهذا منصوب بنزع الخافض، كما قدرناه؛ لأن يهدي إلى الثاني بإلى أو باللام {وَيُخْرِجُهُمْ}؛ أي: ويخرج الله سبحانه وتعالى المتبعين رضوانه، فالضمير عائد إلى من، والجمع باعتبار المعنى، كما أن الإفراد في اتبع باعتبار اللفظ {مِنَ الظُّلُمَاتِ}؛ أي: من ظلمات فنون الكفر {إِلَى النُّورِ}؛ أي إلى نور الإيمان وقوله: {بِإِذْنِهِ}؛ أي: بتوفيقه أو بإرادته، متعلق باتبع، ولا يجوز (١) أن يتعلق بيهدي، ولا بيخرج، إذ لا معنى له حينئذ، فدلت الآية على أنه لا يتبع رضوان الله إلا من أراد الله منه ذلك، وقيل ما يتعلق بيخرج؛ أي: يخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه؛ أي: بإرادته بالجري على سننه تعالى في تأثير الأعمال الصالحة، والعقائد الصحيحة في النفوس وإصلاحها إياها {وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}؛ أي: يثبتهم (٢) على ذلك الدين الحق بعد إجابة دعوة الرسول، وهو دين (٣) الله وتوحيده، وقيل طريق الجنة، وقيل طريق الحق، والظاهر أنَّ هذه الجمل كلها متقاربة المعنى، وكررت للتأكيد، والفعل فيها مسند إليه تعالى، وإنَّما سمى الدين الحق صراطًا مستقيمًا؛ لأنه واحد ومتفق من جميع جهاته. أمَّا الباطل فمتعدد الطرق، وكلها معوجة ملتوية، وفي "الفتوحات": {إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} هو أقرب الطرق إلى الله تعالى ومؤد إليه لا محالة، وهذه الهداية غير الهداية إلى سبل السلام، وإنَّما عطفت عليها تنزيلًا للتغاير الوصفي منزلة التغاير الذاتي، كما في قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ}. أبو السعود. انتهت وقد ذكر سبحانه (٤) للكتاب ثلاث فوائد:


(١) المراح.
(٢) المراح.
(٣) البحر المحيط.
(٤) المراغي.