للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وإبلاغ الشريعة لا جرم اقتدى بهم، فقال: {لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا}.

{إِنْ هُوَ}؛ أي: ما القرآن {إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} كافة؛ أي: ما هو إلا تذكير وموعظة وإرشاد للعالمين كافة، لا لكم خاصة. وفي هذا تصريح بعموم رسالته وبعثته - صلى الله عليه وسلم - للناس جميعًا أسودهم وأحمرهم، إنسهم وجنهم.

٩١ - {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}؛ أي: وما عرفت الله سبحانه وتعالى اليهود وقومك المشركون حق معرفته، وما عظموه حق عظمته؛ أي: العظمة اللائقة به المستحقة له. قال ابن عباس رضي الله عنهما: معناه: ما عظموا الله حق عظمته. وقال أبو العالية: ما وصفوا الله حق صفته. وقال الأخفش: ما عرفوا الله حق معرفته {إِذْ قَالُوا}؛ أي: إذ قالت اليهود لك يا محمَّد حين خاصموك {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ}؛ أي: من كتاب، وذلك أن اليهود أنكروا إنزال الله من السماء كتابًا إنكارًا للقرآن.

أي: ما عرفوه (١) حق معرفته حيث أنكروا إرساله للرسل وإنزاله للكتب، فإن منكري الوحي الذين يكفرون برسل الله، ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ما عرفوا الله حق معرفته، ولا عظموه حق تعظيمه، ولا وصفوه حق صفته، ولا آمنوا بقدرته على إفاضة ما شاء من علمه بما يصلح به الناس من الهدى والشرائع على من شاء من البشر بواسطة الملائكة، أو بتكليمه إياهم بدون واسطة، وهم قد أنكروا الوحي، وجهلوا فضل البشر، وقالوا: ما أنزل الله على أحد منهم شيئًا.

وقرأ الحسن وعيسى الثقفي: {وَمَا قَدَّرُوا} بالتشديد {حَقَّ قَدْرِهِ} بفتح الدال.

ومن عرف حكمة الله البالغة ورحمته الواسعة، وعلمه المحيط بكل شيء، ونظر في آياته في الأنفس والآفاق، وعلم أنه أحسن كل شيء خلقه، وخلق الإنسان مستعدًا للصعود إلى أعلى عليين، والهبوط إلى أسفل سافلين، وجعل كماله أثرًا لعلومه، وأعماله الكسبية التي عليها مدار حياته الدنيوية والأخروية .. علم أنَّ الإنسان مهما ارتقت معارفه لا يمكن أن يصل إلى الكمال الذي يؤهله


(١) المراغي.