للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وعبَّر عن إيمانهم بأنفسهم (١)؛ لأنّ النَّفس خلقت للعلم والإيمان، وجواب لو في قوله: {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} محذوف، تقديره: لو كانوا يعلمون عاقبة أمرهم، وما يصيرون إليه من العذاب، لَما فعلوا ما فعلوا من تعلُّم السحر، والعمل به، أثبت لهم العلم أوَّلًا بقوله: {وَلَقَدْ عَلِمُوا}، ثُمَّ نفى عنهم بقوله: {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}؛ لأنَّهم لمَّا لم يعملوا بعلمهم، فكأنَّهم لم يعلموا، فهذا في الحقيقة نفي الانتفاع بالعلم لا نفي العلم.

وعبارة "الخازن" هنا: فإن قلت (٢): كيف أثبت الله لهم العلم أوَّلًا في قوله: {وَلَقَدْ عَلِمُوا} على - التوكيد القسميّ، ثُمَّ نفاه آخرًا في قوله: {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}، ففيه تناقضٌ؟

قلت: إنّهم قد علموا أنَّ من اشترى السحر ما له في الآخرة من خلاق، ثُمَّ مع هذا العلم خالفوا واشتغلوا بالسحر، وتركوا العمل بكتاب الله تعالى، وما جاءت به الرسل؛ عنادًا منهم وبغيًا، وذلك على معرفةٍ منهم بما لِمَنْ فعَلَ ذلك منهم من العقاب، فكأنَّهم حين لم يعملوا بعلمهم كانوا منسلخين منه، والمعنى هنا: لو كانوا يَعْمَلُون بعلمهم ذلك ما تعلَّموه؛ فالمثبت أوّلًا العلم، والمنفيُّ هنا العمل به. انتهى. وهذا هو ما يفعلُ مِثْلهَ بعضُ المسلمين اليوم، إِذْ يَنْتَهِكون بعض حرماتِ الدين بمثل تلك التأويلات، فيمنعون الزكاة بحيلةٍ، ويأكلون أموال الناس بحيلةٍ أخرى ويشهدون الزور بحيلةٍ ثالثة، وهكذا.

١٠٣ - {وَلَوْ أَنَّهُمْ} أي ولو أنَّ اليهود الذين اتَّبعوا ما تتلوا الشياطين، وتعلَّموا السحر {آمَنُوا} بمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم - وبالقرآن {وَاتَّقَوْا}؛ أي: واجتنبوا اليهوديَّة، والسحر، وجواب {لَوْ} محذوف دَلَّ عليه قوله: {لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}، تقديره: لأُثيبوا ما هو خيرٌ لهم من الكسب بالسحر، والمثوبةُ مَفْعُلةٌ (٣) من الثواب، مِنْ ثاب يثوب إذا رجع، وسُمِّي الجزاء


(١) روح البيان.
(٢) الخازن.
(٣) روح البيان.