للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المنفعة، ويسلمون معه من المضرة {فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ}؛ أي: جعلنا ذلك المطر سقيًا لكم ولدوابكم وأراضيكم، قال أبو علي: يقال: سقيته الماء إذا أعطيته قدر ما يروي، وأسقيته نهرًا؛ أي: جعلته شربًا له، وعلى هذا {فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ} أبلغ من سقيناكموه، لما فيه من الدلالة على جعل الماء معدًّا لهم، يرتفقون به متى شاؤوا، وهي أطول كلمة في القرآن، وحروفها أحد عشر، وحروف {أَنُلْزِمُكُمُوهَا} عشرة.

{وَمَا أَنْتُمْ لَهُ}؛ أي: لذلك المطر المنزل {بِخَازِنِينَ}؛ أي: بقادرين على إيجاده وخزنه في السحاب، وجمعه فيه، وإنزاله، بل نحن القادرون على إيجاده وجمعه في السحاب وإنزاله، وقيل: المعنى: وما أنتم بخازنين له بعد ما أنزلناه في الغدران والآبار والعيون، بل نحن نخزن ونجمع في هذه المخازن، ونحفظه فيها، لنجعله لكم سقيًا، ويكون ذخيرة لكم عند الحاجة إليه، مع أن طبيعة الماء تقتضي الغور.

والمعنى: أي فأنزلنا من (١) السماء مطرًا، فأسقيناكم ذلك المطر لشرب زرعكم ومواشيكم، وفي ذلك استقامة أمور معايشكم، وتدبير شؤون حياتكم إلى حين، كما قال: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} {وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ}؛ أي: ولستم بخازنين الماء الذي أنزلته فتمنعوه من أن أسقيه من أشاء؛ لأن ذلك بيدي، وهو خاضع لسلطاني، إن شئت حفظته، وإن شئت غار في باطنها ويتخلل طبقاتها، فلا أبقي منه شيئًا ينفع الناس والحيوان، ويسقي الزرع الذي عليه عماد حياتكم.

والخلاصة (٢): نحن القادرون على إيجاده وخزنه في السحاب، وإنزاله، وما أنتم على ذلك بقادرين.

٢٣ - وبعد أن ذكر نظم المعيشة في هذه الحياة .. ذكر إحياء الإنسان وإماتته فقال: {وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي} بإيجاد الحياة في بعض الأجسام القابلة، وتقديم (٣) الضمير للحصر، وهو إما تأكيد للأول، أو مبتدأ خبره الفعل، والجملة خبر


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) الشوكاني.