٥٠ - وقوله:{فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ} مرتب على محذوف تقديره: فدعا موسى ربه فكشف عنهم العذاب، فلما كشفنا وأزلنا عنهم العذاب النازل بهم {إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ}؛ أي: فاجؤوا نقص عهدهم بالاهتداء، وهو الإيمان؛ أي: بادروا النكث ولم يؤخروه، وعادوا إلى كفرهم، وأصروا عليه، ولما نقضوا عهودهم صاروا ملعونين، ومن آثار لعنهم الغرق كما يأتي، فعلى العاقل الوفاء بالعهد، وقرأ أبو حيوة {يَنْكُثُونَ} بكسر الكاف.
والمعنى: فدعانا موسى فكشفنا عنهم العذاب فلم يؤمنوا، ونقضوا العهد، وقد كان هذا ديدنهم مع موسى، يعدونه في كل مرة أن يؤمنوا به، إذا كشف الرجز، ثم ينقضون ما عاهدوا الله عليه، ونحو الآية: ما جاء في سورة الأعراف من قوله: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (١٣٣) وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (١٣٤) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (١٣٥)}.
٥١ - ثم أخبر سبحانه، عن تمرد فرعون وعتوه وعناده، فقال:{وَنَادَى فِرْعَوْنُ} بنفسه، أو بمناد أمره بالنداء {فِي قَوْمِهِ}؛ أي: في مجمعهم وفيما بينهم، بعد أن كشف العذاب عنهم، مخافة أن يؤمنوا فـ {قَالَ يَا قَوْمِ} يريد الأقباط {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ} الهمزة فيه للاستفهام التقريري. لا ينازعني فيه أحد، ولا يخالفني مخالف، وهي أربعون فرسخًا في أربعين، وفي "فتح الرحمن": وهو من نحو الإسكندرية إلى أسوان بطول النيل، وأسوان بالضم، بلد بصعيد مصر، كما في "القاموس". قال في "روضة الأخبار": مصر بلدة معروفة، بناها مصر بن حام بن نوح، وبه سميت مصر مصرًا.
{وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ}؛ أي: أنهار (١) النيل، فاللام عوض عن المضاف إليه، والمراد بها: الخلجان الكبار الخارجة من النيل، ومعظمها أربعة أنهر، نهر