قَبْلِهِمْ}؛ أي: من قبل الكفار المعاصرين لمحمد - صلى الله عليه وسلم -، من الأمم السابقة؛ أي: كذبوا أنبياءهم كما كذبك قومك {فَأَتاهُمُ الْعَذابُ} المقدر لكل أمة منهم {مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ}؛ أي: من الجهة التي لا يحتسبون، ولا يخطر ببالهم إتيان العذاب والشر، منها بيناهم آمنون رافهون، إذ فوجئوا من مأمنهم. فمعنى: من حيث لا يشعرون آتاهم العذاب، وهم آمنون في أنفسهم غافلون عن العذاب، وقيل: معناه: لا يعرفون له مدفعًا ولا مردًا. وفي «التأويلات النجمية»؛ أي: أتاهم العذاب في صورة الصحة والنعمة، والسرور وهم لا يشعرون أنه العذاب، وأشد العذاب ما يكون غير متوقع
٢٦ - {فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ}؛ أي: أذاق الله سبحانه، الذين من قبلهم {الْخِزْيَ}؛ أي: الذل والهوان والصغار، يعني: أحسوا به إحساس الذائق المطعوم {فِي الْحَياةِ الدُّنْيا} بيان لمكان إذاقة الخزي، وذلك الخزي كالمسخ، والخسف، والغرق، والقتل، والسبي، والإجلاء، ونحو ذلك من فنون النكال، وهو العذاب الأدنى {وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ} المعد لهم {أَكْبَرُ} وأشد وأنكى من عذاب الدنيا، لعظمه ودوامه {لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ}؛ أي: لو كانوا ممن يعلم الأشياء، ويتفكر فيها، ويعمل بمقتضى علمه، لعلموا (١) ذلك، واعتبروا به، وما عصوا الله ورسوله، وخلصوا أنفسهم من العذاب، فعلى العاقل أن يرجع إلى ربه بالتوبة والإنابة، كي يتخلص من عذاب الدنيا والآخرة، وعبارة «أبي السعود»: لو كانوا يصدقون، ويوقنون بعذاب الآخرة، ما كذبوا رسلهم في الدنيا، اهـ. وعن الشبلي - رحمه الله - قال: قرأت أربعة آلاف حديث، ثم اخترت منها واحدًا، وعملت به، وخليت ما سواه، لأني تأملته فوجدت خلاصي ونجاتي فيه، وكان علم الأولين والآخرين مندرجًا فيه، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لبعض أصحابه:«اعمل لدنياك بقدر مقامك فيها، واعمل لآخرتك بقدر بقائك فيها، واعمل لله بقدر حاجتك إليه، واعمل للنار بقدر صبرك عليها»، فإذا كان الصبر على النار غير ممكن للإنسان الضعيف .. فليسلك طريق النجاة، المبعدة عن النار، الموصلة إلى الجنات، وأعلى الدرجات.