٨٩ - {قَدِ افْتَرَيْنا} واختلقنا {عَلَى اللَّهِ} سبحانه وتعالى {كَذِبًا} عظيما وتخرصنا عليه من القول باطلا {إِنْ} نحن {عُدْنا} ورجعنا ودخلنا في {مِلَّتِكُمْ} الباطلة، وقد علمنا فساد ما أنتم عليه من الملة والدين {بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ} سبحانه وتعالى وخلصنا {مِنْها} وبصرنا خطأها، وهدانا الصراط المستقيم، باتباع ملة إبراهيم، وإذا كان اتباع ملتكم يعد افتراء على الله لأنّه قول عليه، لا علم لنا به بوحي ولا برهان من العقل .. فكيف بمن يفتري عليه ويضل عن صراطه على علم؟ فالكفر بالحق وغمطه بعد العلم به هو شر أنواع الكفر، والافتراء على الله فيه أفظع ضروب الافتراء، التي لا تقبل فيها الأعذار بحال.
وفي قوله:{إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ}، أيضا فيه من الإشكال (١) مثل ما في الأول، وهو أنّ شعيبا عليه السلام ما كان في ملتهم قط حتى يقول:{إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها} والجواب عنه مثل ما أجيب به عن الإشكال الأول، وهو أن تقول: إنّ الله نجى قومه الذين آمنوا به من تلك الملة الباطلة، إلا أنّ شعيبا نظم نفسه في جملتهم وإن كان بريئا مما كانوا عليه من الكفر، فأجرى الكلام على حكم التغليب، وقيل: معنى {نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها} علمنا قبح ملتكم، وفسادها، فكأنّه خلصنا منها. وعبارة المراغي قوله:{إِذْ نَجَّانَا}؛ أي: نجى أصحابي منها، فهو تغليب بإدخاله في زمرتهم، أو: نجاني من الإنتماء إلى هذه الملة التي ما كنت أؤمن بعقيدتها، ولا أعمل بعمل أهلها. انتهى.
{وَما يَكُونُ لَنا}؛ أي: ما ينبغي لنا، ولا يصح منا، ولا يستقيم {أَنْ نَعُودَ} ونرجع إلى ملتكم وندخل {فِيها} ونترك الحق الذي نحن عليه في حال من الأحوال {إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا}؛ أي: إلا في حال مشيئة ربنا أن نعود فيها، فهو وحده القادر على ذلك، لا أنتم ولا نحن، لأنّا موقنون بأن ملتكم باطلة، وملتنا هي الحق، التي بها صلاح حال البشر وعمران الأرض، فحينئذ يمضي