للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

هو من عند الله سبحانه، وكأنه عاد أيضًا إلى ما افتتح به السورة من إعراض المشركين عما يأتيهم من الذكر؛ ليتناسب المفتتح والمختتم. ذكره أبو حيان.

وصيغة التكثير (١): تدل على أن نزوله كان بالدفعات في مدة ثلاث وعشرين سنة، وهو مصدر بمعنى المفعول، سمي به مبالغة، وفي وصفه تعالى بربوبية العالمين إيذان بأن تنزيله من أحكام تربيته تعالى ورأفته للكل.

والمعنى: إن هذا القرآن الذي من جملته ما ذكر من القصص السبع لمنزل من جهته تعالى، وإلا لما قدرت على الإخبار، وثبت به صدقك في دعوى الرسالة؛ لأن الإخبار من مثله لا يكون إلا بطريق الوحي.

١٩٣ - {نَزَلَ بِهِ} {الباء}: إما للتعدية؛ أي: أنزله {الرُّوحُ الْأَمِينُ}؛ أي: جبريل عليه السلام، أو للملابسة؛ أي: نزل الروح الأمين حالة كونه ملابسًا بهذا القرآن.

وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم (٢): {نَزَلَ بِهِ} مخففًا {الرُّوحُ الْأَمِينُ} بالرفع. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم {نزل به}: مشددة الزاي. {الرُّوحُ الْأَمِينُ} بالنصب، والفاعل هو الله سبحانه على هذه القراءة. وقد اختار هذه القراءة أبو حاتم وأبو عبيد. وقرىء (٣): {نزل} مشددًا مبنيًا للمفعول، والفاعل هو الله تعالى، ويكون الروح على هذه القراءة مرفوعًا على النيابة.

والمراد بالروح الأمين جبريل عليه السلام، سمي أمينًا؛ لأنه أمين على وحيه تعالى، وموصله إلى أنبيائه، وروحًا لكونه سببًا لحياة قلوب المكلفين بنور المعرفة والطاعة، حيث إن الوحي الذي فيه الحياة من موت الجهالة يجري على يده، ويدل عليه قوله تعالى: {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} وفي


(١) روح البيان.
(٢) زاد المسير.
(٣) الشوكاني.