للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كل حال.

والخلاصة: أنتم في حاجة إليه، وهو ذو الغنى وحده لا شريك له، والمحمود في جميع ما يقول ويفعل، ويشرِّع لكم ولغيركم من الأحكام،

١٦ - ثم أرشد إلى غناه وقدرته الكاملة بقوله: {إِنْ يَشَأْ} الله سبحانه وتعالى؛ إذهابكم عن وجه الأرض، {يُذْهِبْكُمْ} عنها ويعدمكم كما قدر على إيجادكم وبقائكم {وَيَأْتِ}؛ وينشىء {بِخَلْقٍ}؛ أي: بمخلوق {جَدِيدٍ} مكانكم وبدلكم ليسوا على صفتكم، بل مستمرون على الطاعة، فيكون الخلق من جنسهم، وهو الآدمي، أو يأت بعالم آخر غير ما تعرفونه، فيكون من غير جنسهم.

وعلى كلا التقديرين فيه إظهار الغضب للناس الناسين، وتخويف لهم على سرفهم ومعاصيهم.

١٧ - {وَمَا ذَلِكَ} المذكور من الإذهاب بهم، والإتيان بآخرين {عَلَى اللَّهِ} سبحانه متعلق بقوله: {بِعَزِيزٍ}؛ أي: بمتعذر ولا صعب ولا مستعسر، بل هو هين عليه يسير؛ لشمول قدرته على كل مقدور، ولذلك يقدر على الشيء وضده، فإذا قال لشيء: كن .. كان من غير توقف ولا امتناع، وقد أهلك القرون الماضية، واستخلف الآخرين إلى أن جاء نوبة قريش، فناداهم بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} وبيَّن أنهم محتاجون إليه احتياجًا كليًا، وهو غني عنهم وعن عبادتهم، ومع ذلك دعاهم إلى ما فيه سعادتهم وفوزهم، وهو الإيمان والطاعة، وهم مع احتياجهم لا يجيبونه، فاستحقوا الهلاك، ولم يبقَ إلا المشيئة (١).

ثم إنه تعالى شاء هلاكهم لإصرارهم، فهلك بعضهم في بدر، وبعضهم في غيره من المعارك، وخلق مكانهم من يطيعونه تعالى فيما أمرهم به ونهاهم عنه، ويستحقون بذلك فضله ورحمته، واستمر الإفناء والإيجاد إلى يومنا هذا، لكن لا على الاستعجال، بل على الإمهال، فإنه تعالى صبور لا يؤاخذ العصاة على العجلة، ويؤخر العقوبة ليرجع التائب ويقلع العصر. ففي الآية وعظ وزجر لجميع الأجناس من الملوك ومن دونهم، فمن أهمل أمر الجهاد .. لم يجد المهرب من


(١) روح البيان.