للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولما كان بيان حل الأنعام من دواعي التعاطي، لا من مبادي الاجتناب .. عقبه بما يجب الاجتناب عنه من المحرمات، ثم أمر بالاجتناب عما هو أقصى الحرمات، كأنه قيل: ومن يعظم حرمات الله، فهو خير له، والأنعام ليست من الحرمات، فإنها محللة لكم، إلا ما يتلى عليكم آية تحريمه، فإنه مما يجب الاجتناب عنه، فاجتنبوا ما هو معظم الأمور، التي يجب الاجتناب عنها. {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}؛ أي: الكذب والبهتان. وهذا تعميم (١) بعد تخصيص، فإن عبادة الأوثان رأس الزور، والمشرك يزعم أن الوثن يحق له العبادة، كأنه قيل: فاجتنبوا عبادة الأوثان، التي هي رأس الزور، واجتنبوا قول الزور كله، ولا تقربوا شيئًا منه، وكأنه لما حث على تعظيم الحرمات، أتبع ذلك ردًّا لما كانت الكفرة عليه، من تحريم السوائب والبحائر ونحوهما. والافتراء على الله تعالى، بأنه حكم بذلك. وقيل: المراد به شهادة الزور، والأولى أن يحمل على العموم، كما قلنا أولًا. وأعظمه الشرك بالله بأي لفظ كان، وسمي زورًا لأنه مائل عن الحق. ومنه قوله تعالى: {تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ}.

٣١ - {حُنَفَاءَ لِلَّهِ} حال من واو فاجتنبوا؛ أي؛ حال كونكم مائلين عن كل دين، زائغ إلى الدين الحق مخلصين له {غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} شيئًا من الأشياء، كما يفيده الحذف من العموم، فيدخل في ذلك الأوثان دخولًا أوليًا، وهو حال أخرى من الواو، لكن الأولى مؤسسة، والثانية مؤكدة، فدل ذلك، على أن المكلف ينوي بما يأتيه من العبادة، الإخلاص لله بها لا غيره. والمعنى: أي (٢): فابتعدوا عن عبادة الأوثان وطاعة الشيطان، فإن ذلك رجس، واتقوا قول الكذب والفرية على الله، كقولكم في الآلهة {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} وقولكم: الملائكة بنات الله، ونحو هذا من القول، فإن ذلك كذب وزور، وشرك بالله، وقوله: {حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ}؛ أي: تمسكوا بهذه الأمور على وجه العبادة لله وحده، دون إشراك أحد سواه معه. ولما أمر باجتناب عبادة الأوثان، وقول الزور .. ضرب مثلًا للمشرك فقال: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ} سبحانه غيره تعالى، قولًا


(١) المراغي.
(٢) المراغي.