للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وتعالى - فعلمه ليس كعلم المخلوقين، الذي يعتريه النقص من وجهين: عدم الإحاطة بالأشياء، ونسيانها بعد علمها.

وقرأ الحسن (١)، وقتادة، والجحدري، وحماد بن سلمة، وابن محيصن، وعيسى الثقفي: {لا يضل} بضم الياء؛ أي: لا يضل الله ذلك الكتاب، فيضيع، ولا ينسى ما أثبته فيه، وقرأ السلمي: {لا يضل ربي ولا ينسى} مبنيتين للمفعول، والظاهر: أن الجملتين استئناف وإخبار عنه تعالى، بانتفاء هاتين الصفتين عنه، وإجمال سؤاله، أنه إذا كان الأمر كما ذكرت .. ففصل لنا حال الماضين من سعادةٍ وشقاءٍ, فرد - عليه السلام - عليه: بأن علم ذلك إلى الله تعالى،

٥٣ - ثم عاد إلى تتميم كلامه الأول، بإبراز الدلائل على الوحدانية فقال: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا}؛ أي: ربي الذي لا يضل ولا ينسى هو الذي جعل لكم الأرض كالمهاد والفراش، تتمهدونها وتستقرون عليها، فتقومون، وتنامون، وتسافرون على ظهرها، وقرأ (٢) الأعمش، وطلحة، وابن أبي ليلى، وعاصم، وحمزة، والكسائي: {مَهْدًا} بفتح الميم وإسكان الهاء، وباقي السبعة: {مهادًا} وكذا في الزخرف، وقال المفضل: هما مصدران، يقال: مهد مهدًا ومهادًا، وقال أبو عبيد: مهادًا: اسم، ومهدًا: مصدر، ومعنى ذلك: أنه تعالى جعلها لهم، يتصرفون عليها في جميع أحوالهم ومنافعهم؛ أي: جعل كل موضع منها مهدًا وفراشًا لكل واحد منكم.

{وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا}؛ أي: وهو الذي جعل لأجلكم لا لغيركم في الأرض سبلًا وطرقًا كثيرةً، بين الجبال والأودية والبراري، تمشون في مناكبها، وتسلكونها من قطر إلى قطر، لتقضوا منها مآربكم، وتنتفعوا بمنافعها ومرافقها، ونحو الآية قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} يقال: سلكت الشيء في الشيء: أدخلته، والسبل (٣): جمع سبيل، وهو من الطرق ما هو معتاد السلوك.


(١) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
(٣) روح البيان.