للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يسألوا عن أخباركم كل قادم من جانب المدينة، وفي هذا كفاية لديهم لجبنهم، وخور عزائمهم.

وقرأ الجمهور (١): {يَسْأَلُونَ} بالهمز مضارع سأل، وحكى ابن عطية أن أبا عمرو وعاصمًا، والأعمش قرؤوا: {يسلون} بغير همز نحو قوله: {سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ} ولا يعرف ذلك عن أبي عمرو وعاصم، ولعل ذلك في شاذهما، ونقلهما صاحب "اللوامح" عن الحسن والأعمش، وقرأ زيد بن علي وقتادة والجحدري والحسن ويعقوب بخلاف عنهما: {يسأل بعضهم بعضًا}؛ أي: يقول: بعضهم لبعض: ماذا سمعت وماذا بلغك؟ أو يتساءلون الأعراب كما تقول: ترائينا الهلال.

ثم سلى نبيه - صلى الله عليه وسلم - عنهم، وحقر شأنهم، فقال: {وَلَوْ كَانُوا}؛ أي: ولو كان هؤلاء المنافقون {فِيكُمْ} أيها المؤمنون في الخندق في هذه الغزوة مشاهدين للقتال، ولم يرجعوا إلى المدينة، وكان قتال {مَا قَاتَلُوا إِلَّا} قتالًا {قَلِيلًا} رياءً وسمعةً وخوفًا من التعبير من غير حسبةٍ.

والمعنى: أي ولو كان هؤلاء المنافقون فيكم في الكرة السابقة، ولم يرجعوا إلى المدينة، وكان القتال قتال جلاءٍ وكرٍّ وفرٍّ وطعنٍ وضربٍ ومحاربةٍ بالسيوف، ومبارزة في الصفوف ما قاتلوا إلا قتالًا يسيرًا رياءً وخوفًا من العار، لا قتالًا يحتسبون فيه الثواب من الله وحسن الأجر.

وحاصل معنى الآية (٢): أي وإن يأت الكفار بعدما ذهبوا كرةً ثانية .. تمنى هؤلاء المنافقون أن لو كانوا ساكنين خارج المدينة بين الأعراب، بعداء عن تلك الكفرة، يسألون كل قادم من جانب المدينة عما جرى عليكم مع الكفار، والحال أن هؤلاء المنافقين، لو كانوا فيكم هذه الكرة، ولم يرجعوا إلى المدينة، ووقع قتال آخر .. ما قاتلوا معكم إلا قليلًا رياءً وخوفًا من التعيير.

٢١ - وبعد أن فصل أحوالهم، وشرح نذالتهم، وعظيم جبنهم .. عاتبهم أشد


(١) البحر المحيط.
(٢) المراح.