القول، أن الناس كانوا في زمنه على ثلاث فرق: فرقة له مصدقون وبه مؤمنون، وفرقة على الضد من ذلك، والفرقة الثالثة المتوقفون في أمره، الشاكون فيه، فخاطبهم الله عزّ وجلّ، بهذا الخطاب، فقال: تبارك وتعالى، فإن كنت أيها الإنسان، في شك مما أنزلنا إليك، من الهدى، على لسان محمَّد، - صلى الله عليه وسلم -، فاسأل أهل الكتاب ليدلوك على صحة نبوته، وإنما وحد الله الضمير في قوله:{فَإِنْ كُنْتَ} وهو يريد الجمع؛ لأنه خطاب لجنس الإنسان، كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (٦)} لم يرد في الآية إنسانًا بعينه، بل أراد الجمع.
واختلفوا في المسؤول عنه في قوله:{فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} من هم. فقال المحققون من أهل التفسير: هم الذين آمنوا من أهل الكتاب، كعبد الله بن سلام وأصحابه؛ لأنهم هم الموثوق بأخبارهم. وقيل، المراد: كل أهل الكتاب، سواء مؤمنهم وكافرهم؛ لأن المقصود من هذا السؤال الإخبار بصحة نبوة محمَّد، - صلى الله عليه وسلم -، وإنه مكتوب، عندهم صفته ونعته فإذا أخبروا بذلك، فقد حصل المقصود، والأول أصح. وقال الضحاك يعني أهل التقوى، وأهل الإيمان, من أهل الكتاب، ممن أدرك النبي، - صلى الله عليه وسلم -، ذكره في "الخازن".
وعزتي وجلالي {لَقَدْ جَاءَكُمْ} يا محمَّد {الحقُّ} واليقين من الخبر {مِنْ رَبِّكَ} بأنك رسول الله حقًّا، وإن أهل الكتاب يعلمون صحة ذلك {فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ}؛ أي: من الشاكين في صحة ما أنزلنا إليك بالتزلزل، عما أنت عليه، من الجزم واليقين، والامتراء: الشك والتردد؛ أي: لقد جاءك الحق الواضح، بأنك رسول الله، وأن هؤلاء اليهود والنصارى يعلمون صحة ذلك، ويجدون نعتك في كتبهم، فلا تكونن من الشاكين في صحة ذلك. وهذا النهي وما بعده، يدلان على أن فرض الشك والسؤال فيما قبلهما تعريض بالشاكين والمكذبين له من قومه، ممن لم تستنر بصيرتهم بنبوته - صلى الله عليه وسلم -، فأظهروا الإيمان بألسنتهم، ولم يثبت في قلوبهم، فهم في شك منه.
٩٥ - {وَلَا تَكُونَنَّ} أيها الرسول {مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ}؛ أي: ممن كذب بآيات الله وحججه في الأكوان، مما يدل على وحدانيته وقدرته على إرسال