وذكر في الثانية القرية التي أمهل لها حتى استعجلت بالعذاب، ثم جاء إهلاكها، تنبيهًا على أن قريشًا وإن أمهلهم حتى استعجلوا بالعذاب لا بد من عذابهم، فلا يغتروا بتأخير العذاب عنهم.
فإن قلت: لم عطفت الأولى بالفاء، والثانية بالواو، فما الفرق بينهما؟
قلت: الأولى وقعت بدلًا من قوله: {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} فناسبتها الفاء، والثانية وقعت بعد الجملتين المعطوفتين بالواو. أعني قوله:{وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ} وقوله: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ} فناسبها العطف بالواو، كما ذكره الزمخشري.
٤٩ - ثم أبان لهم عظيم خطأهم في طلب تعجيل العذاب من الرسول بقوله:{قُلْ} يا محمد، لهؤلاء المشركين المستعجيلن للعذاب {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ} أنذركم إنذارًا بينًا بما أوحي إلى من أخبار الأمم المهلكة، من غير أن يكون لي دخل في إتيان ما توعدونه من العذاب، حتى تستعجلوني به.
فإن قلت: لِمَ اقتصر (١) هنا على الإنذار فقط، مع أنه بين حال الفريقين فيما بعد؟
قلت: لأن صدر الكلام ومساقه للمشركين وعقابهم، وإنما ذكر المؤمنين وثوابهم فيما بعد زيادة في غيظهم.
والمعنى: قل يا أيها المشركون المستعجلون مجيء العذاب: ليس ذلك إلى، وإنما أرسلني ربي نذيرًا لكم، بين يدي عذاب شديد، وليس إلى من حسابكم من شيء، بل أمر ذلك إلى الله، إن شاء عجل لكم العذاب، وإن شاء آخره عنكم، وإن شاء تاب على من يتوب وينيب إليه. {لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}
٥٠ - ثم فصل هذا الإنذار بذكر الوعد للمتقين، والوعيد للكافرين، فقال:{فَالَّذِينَ آمَنُوا} بالله وحده وصدقوا رسوله، وقبلوا ما جاء به. {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}؛ أي: الخيرات بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات، {لَهُمْ} عند ربهم {مَغْفِرَةٌ}؛ أي: ستر وتجاوز عن ذنوبهم {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}؛ أي: نعيم دائم لا ينقطع أبدًا في الجنة.