كما في قوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -: "لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود" فالمراد به داود نفسه، وهي رضاض الألواح؛ أي: كسرها، وعصا موسى، وثيابه ونعلاه، وشيء من التوراة ورداء هارون وعمامته، حال كون ذلك التابوت {تَحْمِلُهُ} وقرأ مجاهد شذوذًا: {يحمله} بالياء من أسفل؛ أي: تسوقه {الْمَلَائِكَةُ} إليكم {إِنَّ فِي ذَلِكَ}؛ أي: إن في إتيان التابوت ورجوعه إليكم {لَآيَةً لَكُمْ}؛ أي: لعلامة لكم دالة على أن ملكه من الله تعالى، أو لآية (١) لكم على صدقي فيما جئتكم به من النبوة، وفيما أمر لكم به من طاعة طالوت {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}؛ أي: مصدقين بتمليكه عليكم، أو بالله واليوم الآخر.
أو المعنى: أن في هذه الآية من نقل القصة معجزة باهرة دالة على نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - حيث أخبر بهذه التفاصيل من غير سماع من البشر إن كنتم ممن يؤمن بدلالة المعجزة على صدق مدعي النبوة والرسالة، فلما رد الله عليهم التابوت .. قبلوا وأقروا بملكه، وتسارعوا إلى الجهاد، واختار من الشبان الفارغين من الأشغال ثمانين ألفًا، وقيل: مئة وعشرين ألفًا، وخرجوا معه.
٢٤٩ - {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ} بين هذه الجملة والتي قبلها محذوف؛ تقديره: فجاءهم التابوت، وأقروا له بالملك، وتأهبوا للخروج، فلما فصل طالوت؛ أي: خرج من بيت المقدس وتوجه {بِالْجُنُودِ}؛ أي: بالجيش التي اختارها إلى جهة العدو، وكان من جملتهم داود عليه السلام كما سيأتي، وكان الوقت قيظًا، وسلك بهم في أرض قفرة، فأصابهم حر وعطش شديد، فطلبوا منه الماء {قَالَ} طالوت {إِنَّ اللَّهَ} تعالى {مُبْتَلِيكُمْ}؛ أي: مختبركم {بِنَهَرٍ} جارٍ ليظهر منكم المطيع والعاصي؛ وهو بين الأردن وفلسطين، وقرأ الجمهور:{بِنَهَرٍ} بفتح الهاء، وقرأ حميد ومجاهد والأعرج شذوذًا بسكون الهاء، والغرض من هذا الابتلاء: أن يميز الصديق من الزنديق، والموافق من المخالف {فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ}؛ أي: كرع من ماء النهر، قليلًا كان أو كثيرًا {فَلَيْسَ مِنِّي}؛ أي: من أهل ديني، أو من أتباعي المؤمنين، فلا يكون مأذونًا له في هذا القتال {وَمَنْ لَمْ